توقيت القاهرة المحلي 15:40:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السيدة الحكيمة و«الفالح»

  مصر اليوم -

السيدة الحكيمة و«الفالح»

بقلم - د. محمود خليل

زجرتنى ذات مرة قائلة: «انت فاكر نفسك هتصلح الكون يا فالح؟».. رد الفالح: «ولمَ لا؟».. ردت: «وليه أيوة؟.. الكون على كده من ساعة ربنا ما نشاه.. وما يقدر على القدرة إلا ربنا».

شأنها شأن كل الأمهات والآباء من ذلك الجيل مثّل الواقع الذى يعيشون فيه «الكون بأكمله»، وكان أى سعى لإصلاح شىء فيه لا يعنى سوى محاولة بائسة لإصلاح الكون «اللى ميقدرش عليه غير اللى نشاه».

كانت أمى تقلق من شغفى بالقراءة، ومما أردده من أفكار بعد قراءة الكتب، وترى فى ذلك خطراً علىّ، وأن الإنسان يكفيه من الحياة الأفكار التى يمكن أن يعيش بها.. أما الأفكار الحالمة بإصلاح الكون الفاسد فلا يحملها إلا المخاطرون، ولن يصلوا فى النهاية إلى شىء.

لم تطمح إلى أن أحصل على شهادة تفوق «الدبلوم».. «دبلوم التجارة» على وجه التحديد كان منتهى عشمها، وهو فى النهاية شهادة -حتى ولو كانت متوسطة- مثل أى شهادة أخرى.

لم يكن الأمر تواضعاً فى الطموح، فقد كانت أمى من النوع الطموح للغاية، أو انقطاع عشم فى أن ألحق بالجامعة، فقد أدركت من تفوقى الملحوظ أننى قادر على تحقيق الكثير.. كانت الحانية مسوقة بالخوف والإشفاق عليّ من أى مخاطرة من أى نوع، وتخشى أن أمتهن مهنة ترهقنى جسدياً، وكانت تحلم لى بوظيفة مكتبية، والوظائف المكتبية متاحة لخريجى دبلوم التجارة.. كذلك تصورت الأمر.

أى شهادة والسلام.. ويا ريت تكون دبلوم تجارة!.. ظلت أمى طيلة طفولتى وصدر شبابى تحلم لى بذلك، رغم فرحها بتفوقى فى الثانوية ثم دخول الجامعة، ثم تفوقى فى الجامعة حتى عينت فيها بعد تخرجى.

عيناها كانتا تضيئان بالسعادة.. وحين كنت أتدلل عليها بنجاحى، تزجرنى قائلة: «اوعى تنسى إن أنا اللى عملتك بنى آدم.. كل حتة فيك من تعبى وشقايا».. وحين كنت أغيظها وأشير إلى أبى الناظر إليها بعينى صقر وأسألها: «يعنى الريس اللى قاعد ده معملش حاجة؟»، كانت تنسحب خوفاً منه، لكن الخوف لا يهز إيمان مؤمن، وقد كنا جميعاً نخشى هذا الرجل بقدر ما نحبه.

يوم مناقشة رسالة الدكتوراه صحبتنى أمى إلى الجامعة.. للمرة الأولى تطأ قدماها الحرم.. كنت أجلس إلى جوارها فى سيارة أحد الأصدقاء قبل أن نصعد معاً إلى المدرج، حيث المعمعمة، وقد كانت المناقشة حينها معركة علمية حقيقية وليست احتفالية زائفة تشيع العلم إلى حيث أفضى. المهم.. ملت على أمى وسألتها: «فاكرة لما كنتى بتقولى آخد دبلوم تجارة.. شهادة والسلام؟».. ضحكت.. فأردفت: «ها أنا ذا معك لأحمل لك شهادة الدكتوراه».

ربتت على كتفى وهنأتنى ودعت لى.. لم أكن أعلم حينها أن دعواتها تلك هى أعظم شهادة نلتها فى حياتى.. إنها الشهادة التى لا تفوقها شهادة.. سوى الشهادة بالوحدانية للخالق العظيم.

هذه بعض حكاياتى مع أمى أظلتها سحائب الرحمة والغفران.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السيدة الحكيمة و«الفالح» السيدة الحكيمة و«الفالح»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon