بقلم - د. محمود خليل
ورثت حركة يوليو العديد من رموز "نادي المتميزين" الذين تربوا وتموقعت أدوارهم داخل الدولة والمجتمع المصري خلال العصر الملكي.
كان من الطبيعي أن يتم استبعاد رموز السياسة من من أعضاء هذا النادي، من الذين سطع نجمهم قبل الحركة، التي تحولت إلى ثورة تعيد صياغة وتشكيل وجه الحياة في مصر، والأمر نفسه تم على مستوى رموز الاقتصاد من رموز نادي المتميزين في العهد البائد، وإن تأخر الاستبعاد في مجال الاقتصاد عن السياسة.
أما المتميزون من رموز الفن والأدب والثقافة والصحافة وغير ذلك، فقد اندفع أغلبهم إلى تقديم فروض الولاء والطاعة لطبقة الحكم الجديدة.
على سبيل المثال اندمج طه حسين في العهد الجديد وترأس تحرير جريدة الجمهورية التي أصدرتها الثورة لتعبر عن أفكارها وتوجهاتها.
ورئاسته للتحرير كانت اسمية إلى حد كبير، ولم يكن له يد في صناعة المحتوى الذي تحمله الصحيفة إلى القارىء.
وبدا عباس العقاد منسحباً في أحوال، منخرطاً في أحوال أخرى في المعارك التي خاضتها طبقة الحكم الجديدة ضد ما كان يوصف حينها بـ"الرجعية"، وبات أكثر جنوحاً إلى السلم، وهو الذي هتف ضد الملك بالأمس قائلاً: "إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلد يخون الدستور ولا يصونه" حين حاول الملك فؤاد تعديله.
ربما كان لدى طه حسين أو العقاد إيمان أو قناعة بما يحدث، وربما آثر الاثنان السلامة بعد أن بلغا من الكبر عتيا، وأياً كان الأمر، فقد وظفتهما طبقة الحكم الجديدة كأداة لدعم قوة مصر الناعمة، والأمر نفسه ينطبق على الكثير من كبار الفنانين والكتاب والأدباء والشعراء وغير ذلك، وقد انطلقت ابداعاتهم خلال فترة الخمسينات والستينات وتمددت إلى كل شبر في أنحاء مصر وإلى خارجها أيضاً داخل الإقليم العربي (أم كلثوم وفريق مبدعيها نموذجا).
آثرت قلة من أعضاء نادي المتميزين الانزواء أو الابتعاد لتمنح نفسها فرصة أكثر صفاء لرؤية وتقييم التحولات التي حدثت وتحدث في مصر.
من هؤلاء على سبيل المثال الروائي نجيب محفوظ الذي انقطع عن نشر الروايات بضع سنين، ثم عاد إلى الكتابة بعد ذلك.
ودخل رمز نسوي كبير مثل الدكتورة درية شفيق في مواجهة مسرحية مع طبقة الحكم الجديدة، وأخذت تندد بمصادرة الحريات العامة، وعدم منح المرأة حقوقها كاملة وغير ذلك.رحبت ثورة يوليو بمن انضم إلى ركابها من رموز نادي المتميزين الملكي، وأحسنت توظيفهم لخدمة بعض أهدافها، لكنها كانت تعلم ضرورة أن تشكل نخبتها الخاصة، ورموز عهدها الجديد.
وكان من الطبيعي حينها أن تلجأ لنادي "المتوسطين" وهو النادي الذي تنتمي إليه بالأصل، فالضباط الأحرار كانوا في أغلبهم من نتاج الطبقة الوسطى التي علا صوتها على مسرح الحياة في مصر بعد ثورة 1919، وقد اتخذوا بعد نجاخ ثورتهم العديد من الخطوات التمهيدية لدعم هذه الطبقة، وكذلك الطبقة الفقيرة، أبرزها قرار مجانية التعليم الجامعي، ومنح فرص متسعة للتوظف داخل دولاب الدولة.
وبمرور الوقت نما أكبر نادي لـ"المتوسطين" في مصر، وباتوا يشغلون الكثير من المراكز والمواقع، وكانت النتيجة بالطبع أن أخذ منحنى الأداء الذي كان يتسم بالتميز في السابق في الهبوط ليصل إلى "المستوى المتوسط".