توقيت القاهرة المحلي 09:17:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الرحلة «المقيتة»

  مصر اليوم -

الرحلة «المقيتة»

بقلم - د. محمود خليل

لم ترفض نسبة لا بأس بها من المصريين -بشكل مبدئى- التحولات التى شهدتها البلاد خلال حقبة الانفتاح، ثم حقبة الخصخصة. على العكس فالبعض رأوا فيها أداة جيدة لتحريك السوق وإيجاد فرص عمل، لكن أزمة الكثيرين معها تعلقت بثلاثة أمور: أولها عدم تحسين شروط الحياة بل تعقيدها، وثانيها الفساد، وثالثها عدم مرافقة الانفتاح الاقتصادى بانفتاح سياسى مواز.

لم تؤدِّ سياسات الانفتاح أو الخصخصة إلى تحسين شروط الحياة لدى قطاع عريض من فقراء المصريين ممن ينغرسون فى أحياء مصر القديمة والقرى والنجوع، بل على العكس زادتها قسوة، نتيجة الغلاء والعجز عن الاقتراب من منتوجاتها، ساهمت هذه التحولات فقط فى إيجاد طبقة جديدة من الأثرياء تتحلق حول طبقة الحكم، كان لديها ولع خاص بالاستثمار فى مجال العقارات والاتصالات، حتى تستطيع حلب جيوب أفراد الطبقة الوسطى التى تشكلت، إما من خلال السفر والعمل فى الخليج، أو عبر العمل فى المشروعات الاستثمارية الجديدة الصاعدة، أو الوظائف الحكومية (المربحة!). فى ذلك الحين حاول الفقراء الاحتفاظ بتوازنهم، فكانت لهم أسواقهم الخاصة، وأماكن معينة للشراء، تقدم السلعة أو الخدمة بسعر أقل وبجودة أقل أيضاً (فى العتبة والموسكى والسيدة زينب والسيدة عيشة وخلافه)، ورغم ذلك فقد بدأت رحلة معاناتهم، وظهرت بينهم أخلاقيات جديدة لا تتسق مع معادلتهم التاريخية فى «الأكل من طبق واحد»، كان أبرزها فكرة «القنص» -اتساقاً مع الواقع الانتهازى الذى ساد- فألهبت ظهر الطبقة الوسطى بالأسعار من خلال البيئات الحرفية التى ظهرت على تخوم الأحياء القديمة، وبدأت رحلة الخطف، بالمفهوم الشامل لذلك، مثلما صُدم المجتمع المصرى ككل فى واقعة اختطاف فتاة المعادى عام 1985.

ترافق مع التحول نحو سياسة الانفتاح، ثم الخصخصة، ظهور فضائح فساد كبرى، فاحت رائحتها فى قضايا «القطط السمان»، و«نواب القروض»، و«نواب الكيف»، والصفقات المشبوهة لبيع مشروعات القطاع العام، وغير ذلك. وقد عالج فيلم «الإمبراطور» (1990)، وهو يتصدى لتحليل ظاهرة انتشار الهيروين فى مصر، الكيفية التى تواطأت فيها أطراف عدة، من رجال أعمال، ومسئولين فى بعض المواقع، ونواب شعب، ومغامرين من أدغال الأحياء الشعبية، فى إغراق الشباب والرجال فى المناطق الشعبية، وداخل أوساط الطبقة الوسطى، بالمخدرات، لامتصاص أية فواض تم تحصيلها عبر السفر، أو من خلال العمل فى مشروعات استثمارية، أو عبر القنص الحرفى، إذا صح التعبير.

وعلى مستوى العلاقة بين الاقتصاد والسياسة، لم يشعر المواطن بأى نوع من التوازى بين الانفتاح الاقتصادى والانفتاح السياسى، إذ ظلت المعادلة على ما هى عليه، انفتاح وخصخصة تفتقر إلى العديد من الضوابط المتعارف عليها فى هذا المجال، واحتكار سياسى على مستوى صناعة القرار. وفى ظل ذلك أصبحت معادلة الحياة، خلال الثمانينات والتسعينات، تقوم على أن تتعلم العيش «بلا كرامة» أو «رأى»، وتكتفى بقنص أى فرصة لـ«الخطف» أو «التهليب» أو «الهبش» أو «النتش» أو «الشفط» وغير ذلك من مفردات سادت خلال هذه العقود.

منذ ذلك الحين درات عجلة الرحلة المقيتة التى تحوَّل فيها المجتمع من مجموعة من الأفراد المتآزرين الذين يأكلون من طبق واحد مع بعضهم البعض إلى أفراد يمزق بعضهم بعضاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرحلة «المقيتة» الرحلة «المقيتة»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon