توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«ويَبْغُونَها عِوَجاً»

  مصر اليوم -

«ويَبْغُونَها عِوَجاً»

بقلم - د. محمود خليل

ماذا يحدث عندما يفقد جسم الإنسان استقامته ويعوج فى اتجاه معين؟ إنه يعجز عن رؤية الحياة كاملة، وتصبح نظرته محصورة فى النقطة المحددة التى يستطيع النظر إليها، قد تكون إلى الأمام، أو للخلف، أو يميناً، أو شمالاً، الجسد المستقيم هو الذى يمكّن الإنسان من النظر والتعامل مع المشهد ككل.

الحياة تضطرب وترتبك عندما يفقد البشر بوصلة «الاستقامة».

البعض يحبها كذلك، ويبغى اعوجاج الأمور من حوله، وأغلب من يسير على طريق الاعوجاج يقعون فى فئة الناسين للحساب فى الآخرة: «الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ».

فما أصعب الحياة حين ينسى قسم من الساعين فيها فكرة «الحساب»، إن ذلك كفيل بتحلية كل المفاسد للإنسان، حين يزين له شيطانه أنه غير محاسب على ما يفعل.لو أنك تأملت سورة الكهف فسوف تجد أول آية فيها تقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا».

فكل تعاليم القرآن الكريم تتأسس على قيمتين كبريين: الاستقامة والاعتدال، وهما قيمتان تتضادان بشكل كامل مع فكرة «الاعوجاج» التى يهواها بعض البشر، لذلك كان من الطبيعى أن يصف الخالق العظيم كتابه الكريم بأنه كتاب يهدى إلى الاستقامة والاعتدال: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ».

موقع هواة الاعوجاج هو دائماً على خط الاستقامة، فتجدهم يعارضون ويعرّضون بالفكرة ومن يتبناها أو يسعى فى الحياة بها.

ويبدو -والله أعلم- أن السر فى ذلك يرتبط بتركيبة الإنسان المفسد، فهو يشعر أن الفساد هو الحالة الطبيعية فى الحياة، وقد يتجاوز ذلك إلى الاعتقاد أنه بفساده هذا يصلح ويقوّم الحياة.

وقد قدّم لنا القرآن نموذجاً لبشر ينكرون على من يحاول لفت انتباههم إلى ما هم فيه من فساد، ويردون بأنهم مصلحون. يقول الله تعالى: «إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَّا يَشْعُرُونَ».

الباحثون عن الحياة المعوجّة يجدون أنفسهم فى قطع كل طريق مستقيم، لأنهم يريدون أن يروا الناس جميعاً فسدة أمثالهم، فوجود عنصر صالح يضعهم أمام مرآة حقيقتهم، فالضد فى هذه الحالة يظهر قبحه الضد، لذلك أمر الله تعالى المؤمنين به بعدم الوقوف فى طريق الاستقامة، لأن ذلك يعنى ببساطة الرغبة فى زرع الحياة بالاعوجاج.

يقول الله تعالى: «وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا».

الانحراف عما يصلح الحياة يؤدى إلى اختلال التوازن على الأرض، وذلك أخطر ما يصيب أهلها، وأصل التوازن هو الاستقامة، وجوهر الاستقامة هو يرتبط بأداء الأمانات، ويتحقق معنى النجاح فى أداء الأمانات فى الحياة بالعدل ووضع المهام فى يد من يستحقها، بعيداً عن أى معايير أخرى فاسدة: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ»..الاعوجاج فى الحياة منشأه غياب العدل وإضاعة الأمانات وتراجع الاستقامة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ويَبْغُونَها عِوَجاً» «ويَبْغُونَها عِوَجاً»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon