بقلم -د. محمود خليل
شأن الوضع داخل كل المجتمعات المعاصرة.. يشكل جيل الألفية (الجيل زد) الكتلة السكانية الحرجة داخل المجتمع المصرى.
تقول الإحصاءات إن عدد المصريين فى المرحلة العمرية من 18 - 29 عاماً يزيد عددها على 21 مليون نسمة، ويقتربون فى نسبتهم -قياساً إلى إجمالى عدد السكان- من نسبتهم المثيلة فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وأغلب أبناء جيل الألفية من المصريين كانوا أطفالاً خلال العقد الأول من الألفينات، وحتى بداية العقد الثانى عام 2011.فى عالم الاقتصاد يجتهد رجال الأعمال وأصحاب المشروعات فى فهم التركيبة النفسية والاجتماعية لجيل الألفية، والدوافع التى تحكم سلوكهم الشرائى والاستهلاكى، انطلاقاً من أنهم يشكلون الكتلة الأكبر الأميل للاستهلاك، لكنك لا تجد اجتهاداً مماثلاً على مستوى السياسة.فرجال السياسة والزعماء الحزبيون لا يولون هذا الجيل ما يستحقه من اهتمام.
قد يكون مبررهم فى ذلك عدم وجود ميول واضحة لدى أفراد جيل الألفية للانخراط فى العمل السياسى والانضمام إلى الأحزاب أو الكتل السياسية، خلافاً للأجيال السابقة لهم، يُضاف إلى ذلك أن انشغالهم بالأمور المعيشية والأوضاع الاقتصادية التى يعيشون فيها، كثيراً ما يصرفهم عن التفاعل مع المسائل السياسية ليركزوا بشكل كامل فى طموحاتهم على مستوى الكارير، أو توفير الدخل القادر على سد احتياجاتهم.
على المستوى الأول المتعلق برفض أو تحفّظ جيل الألفية على مسألة الانخراط فى أحزاب أو كتل أو تنظيمات سياسية من المهم الالتفات إلى أن عزوف أفراد هذا الجيل عن العمل الحزبى التنظيمى، لا يعنى بحال «عدم التحزّب».
فأسهل شىء بالنسبة لأفراد هذا الجيل هو الانقسام إلى حزبين فى مواجهة الأحداث المختلفة التى تتفاعل داخل عالمهم الافتراضى الذى ينقل صوراً مرسومة -وقد لا نبالغ إذا قلنا متخيلة- للواقع الحقيقى. يظهر ذلك واضحاً فى الانقسام السائد داخل التريندات التى تروج على مواقع التواصل الاجتماعى.
وفى كل الأحوال لا يتمتع أفراد هذا الجيل بالدرجة المطلوبة من الثبات على المواقف، إذ قد تجده يشجع اليوم طرفاً فى «تريند»، ويشجع فى الغد طرفاً آخر فى مواجهة «تريند» نقيض. فقدرة هذا الجيل على التحرك من صف إلى صف أو من تحيز إلى آخر أكثر مرونة، مما كانت عليه الأجيال السابقة.
جيل الألفية يمارس السياسة داخل العالم الافتراضى بالأساس، وهو ينفعل بتوجّهات الجروب المندمج فيه عبر مواقع التواصل أكثر مما يتأثر بالأحزاب وفكر الأحزاب والقوى التى تسيطر على السلطة أو القوى النقيضة التى تعارضها، كما أن شيوع فكرة التصويت الإلكترونى -فى مجتمع مثل المجتمع الأمريكى- باتت تبرر له الممارسة الافتراضية للسياسة، بعد أن باتت العملية السياسية تمارس برمتها داخل عالم الإنترنت، إنه لم يعد يتأثر بالطابور الذى يقف أمام لجنة انتخابية، أو يذهب إلى اللجنة مدفوعاً بتعبئة تنظيمية للتصويت فى اتجاه معين، بل يتأثر بالجروب والتريند.
فهاتان هما الأداتان الأساسيتان لتحريك أفرد جيل الألفية على المستوى السياسى.لو راجعت على سبيل المثال أرقام مشاركة جيل الألفية فى الانتخابات التى شهدتها مصر، بعد بلوغهم سن التصويت، ستلاحظ مدى ضعف نسبتهم، والسبب فى ذلك عدم تناغم فكرة اللجنة التقليدية مع أفراد الجيل، إنهم يفضلونها إلكترونية.. وظنى أن ارتفاع معدلات التصويت الإلكترونى فى الانتخابات الأمريكية الأخيرة جوهره دخول أفراد جيل الألفية إلى ساحة التأثير.