توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ»

  مصر اليوم -

«فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ»

بقلم - د. محمود خليل

فى قصة قارون (رجل المال الشهير فى عصر موسى) تجد موضوع الفساد حاضراً فى أولها، وحاضراً أيضاً فى آخرها.

فى بداية القصة يظهر «قارون» فرحاً مختالاً بما تمتع به من ثروة ونفوذ دفعاه إلى البغى على مساكين بنى إسرائيل.

توجه إليه قومه بنصيحة سجلها القرآن الكريم، دعوه فيها إلى التوازن بين الاستمتاع بالدنيا والعمل للآخرة، ثم نبهوه إلى الكارثة التى يمكن أن تحيق به وبهم إذا واصل سعيه فى إفساد الحياة من حوله: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ».

تخيل أن مثل هذه النصائح توجّه إلى «قارون» الذى لم يسجل لنا القرآن الكريم أنه جمع ماله بطرق ملتوية أو فاسدة، بل رزقه الله بها: «وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِى الْقُوَّةِ»، لكنّه وظفها كأداة للاستعلاء على قومه وإفساد حالة الحياة التى يعيشونها، فما بالك بحالة الفساد التى يمكن أن يخلقها رجال مال جمعوا ثرواتهم بالفساد؟!

تعلم النهاية المرعبة التى آل إليها «قارون» حين خسف الله به وبماله وبداره الأرض: «فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ»، ومع هذه النهاية وضع الخالق العظيم واحدة من القواعد التى تحكم الحياة، وذلك فى الآية الكريمة التى تقول: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ».

الفساد يؤدى إلى سوء المآل فى الدنيا والآخرة.. وهذا الدرس أكد عليه القرآن الكريم كثيراً وقص القصص حوله، وضرب عليه الكثير من الأمثلة حتى ينبّه المؤمن إلى مخاطر الفساد إذا استشرى فى المجتمعات، وسكت عنه الناس، ورضى بعضهم عنه واندمجوا فيه.

تلك هى حال البشر ومآلاتهم، حين يتصالحون مع الفساد المستشرى فى أوساطهم، وهى حال لها مقدمة تعيدنا من جديد إلى دور العقل كآلة وأداة لإصلاح الحياة.. فالمجتمع الفاسد هو مجتمع فاقد لعقله.يقول الله تعالى: «فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِى الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ».

فالأجيال والأقوام التى شهدها تاريخ البشر منذ عصر آدم وما بعده شهدت مجتمعات لم يكن لدى أفرادها بقية من عقل أو فكر أو منطق يتفهمون من خلاله المخاطر التى يمكن أن تؤدى إليها عملية فساد الحياة وإفسادها، ومآلات ذلك فى الدنيا والآخرة.. مجتمعات قليلة فقط هى التى امتلكت العقل والاستنارة التى مكنتها من إدراك مخاطر الفساد على الحياة والأحياء، فأمسك أفرادها عن الفساد، وأخذوا على الأيدى المفسدة التى حاولت العمل بداخلهم.. فكتبت لهم النجاة.

تشير الآية الكريمة أيضاً إلى أحد مؤشرات الفساد داخل بعض المجتمعات والمتمثلة فى حالة الترف التى تنعم بها أقلية على حساب الأغلبية.

الأقلية (أو الأوليجاركية) المترفة داخل أى من المجتمعات تميل بطبيعتها إلى البحث عن الملذات، وهى فى سبيل ذلك تحاول أن تجمع المال بكل الطرق الملتوية وغير المتلوية، المشروعة وغير المشروعة، كل هذا بهدف الغرق فى الحياة المخملية بكل عناصرها ومفرداتها.

وسبحان من جعل «الخسف» عقوبة عادلة لـ«العلو».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ» «فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء

GMT 10:26 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

" لفات الحجاب" الأمثل لصاحبات الوجه الطويل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon