توقيت القاهرة المحلي 16:19:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الندل» المستور

  مصر اليوم -

«الندل» المستور

بقلم - د. محمود خليل

«عيش ندل تموت مستور» من أبشع الأمثال الموروثة عن الآباء والأجداد، ولا أظن أنها بعيدة عن المطبخ الثقافى المملوكى، تلك التى تشجع الفرد على أن يكون جباناً، مثل «الجبان له نصف الدنيا» و«الجرى نصف الجدعنة»، أو نذلاً مثل «عيش ندل تموت مستور».لم يكن المماليك بالجبناء، حين يواجهون عدواً، على العكس تماماً اشتهر فرسانهم، وخصوصاً الأولين، بقدر واضح من الشجاعة والثبات فى مواجهة أشد الأعداء، لكن مخزون الشجاعة أخذ فى التآكل عند الانتقال من جيل إلى آخر منهم، فتحللت الأجيال الجديدة من العديد من الفضائل التى تميزت بها الأجيال الأولى. على سبيل المثال كانت هناك فجوة كبيرة بين أداء قطز وبيبرس فى مواجهة التتار، وأداء قنصوه الغورى وطومان باى فى مواجهة العثمانيين. ولعلك تتفق معى فى أن الأجيال التى تلت آخر سلاطين الجراكسة من المماليك كانت أسوأ حالاً ممن واجهوا العثمانيين. وبإمكانك أن تستدعى من الذاكرة أداء مراد بك وإبراهيم بك فى مواجهة الحملة الفرنسية.كان الأميران المملوكيان إبراهيم ومراد هما من يديران أمر البلاد عند دخول الحملة الفرنسية إلى مصر. والاثنان كانا من تلامذة الأمير محمد بك أبوالدهب. واجه الاثنان عدوهما دون أى إدراك لحجم قوته، فكانت الهزيمة السريعة من نصيبهما، وبدلاً من أن يتراجعا نحو الأهالى ويلتحما معهم فى مواجهة المحتل، فر الاثنان بفرسيهما، إعمالاً بمبدأ «الجرى نصف الجدعنة»، وتركا الأهالى فريسة للفرنسيين.هرب إبراهيم بك إلى الشام وتحصن بين مماليكها، أما مراد بك ففر كما تعود نحو الصعيد، وأخذ يتنقل من قرية إلى قرية. يحكى «جوزيف مارى مواريه» صاحب كتاب: «مذكرات ضابط فى الحملة الفرنسية على مصر» أن «مراد بك» كان يدخل القرية من قرى الصعيد فيقابله أهلها بالبشر والترحاب، فيدهمهم بخبر أن الفرنسيين قادمين من ورائه، فينزعج الأهالى، فيأخذ فى طمأنتهم وتشجيعهم ويصف رجال عدوهم بأنهم ضعاف قصار القامة، لا يجيدون العدو بالخيل، أو المبارزة بالسيف، أو الرشق بالرمح، وأنهم إذا خرجوا إليهم بالعصى فسيقضون عليهم، ثم يستأذنهم لجمع المماليك من أقاضى الصعيد وترتيبهم لمواجهة المحتل. كان الأهالى الغلابة يصدقونه فيما يقول، ويخرجون لملاقاة الفرنسيين المسلحين بأحدث أسلحة العصر فيلقون حتفهم. عندما سئل مراد بك فيما يفعله بالأهالى وكيف يلقى بهم هكذا فى أتون القتل، رد ضاحكاً: أعلم أن أهل القرية سيموتون، لكن قد يفلحون فى قتل اثنين أو ثلاثة من الفرنجة، وفى ذلك مكسب كبير، لأن عددهم سيقل، بعد أن انقطع المدد الواصل لهم من فرنسا، وبالتالى تضعف شوكتهم شيئاً فشيئاً ويسهل مواجهتهم، لم يكن «مراد» يجد غضاضة فى أن يموت آلاف المصريين مقابل عشرات الفرنسيين فى سبيل تنفيذ خطته اللوذعية.كادت معادلة «عيش ندل تموت مستور» أن تنجح مع مراد بك، لكن الأقدار كان لها رأى آخر، ففى جولاته المختلفة التى كان يدفع فيها الأهالى إلى مواجهات غير متكافئة، دون أن يأبه بأرواحهم، كمن له شبح الموت، فأصيب بالطاعون، ومات به. 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الندل» المستور «الندل» المستور



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon