بقلم - د. محمود خليل
لو تأملنا تركيبة المؤمنين الأوائل الذين صدّقوا برسالة النبى، صلى الله عليه وسلم، فسوف نجد أن القاسم المشترك بين معظمهم هو الوعى بمفهوم النبوة وما يجب أن يتوافر فى النبى من خصال وسمات.
فأبو بكر الصديق كانت شخصية قريبة الشبه بالنبى فيما يتعلق بالميل إلى العزلة والتأمل وما يولده ذلك فى النفس من حكمة.
ومن المشهور عن هذا الصحابى الكريم أنه أنشأ فى داره ما يشبه الخلوة، كان يخلو إلى نفسه فيها قبل البعثة يتأمل فيها شئون الحياة، ويتعبّد فيها للواحد الأحد بعد إيمانه بالنبى.وبلال الحبشى هو ابن ثقافة دينية مسيحية وكانت أمه أميرة حبشية أسرها العرب بعد أن دحر الله حملة أبرهة على البيت الحرام، وصهيب بن سنان (الرومى) أقام بين الروم فترة وعاش الثقافة المسيحية فى أوساطهم، وسلمان الفارسى ابن حضارة، دأب قبل إسلامه على البحث عن حقيقة الدين، آمن بالمجوسية فترة من عمره، ثم انفلت منها وآمن بالمسيحية، وأخذ يتنقل من مدينة إلى مدينة ومن كنيسة إلى كنيسة حتى سمع عن محمد صلى الله عليه وسلم فذهب إليه وآمن برسالته، وعمّار بن ياسر كان حكيماً بالفطرة واكتسب المزيد منها بالترحال.
تصورات هذه المجموعة من المؤمنين عن النبوة والنبى كانت مخالفة لما هو شائع لدى أهل مكة، فأهل مكة يريدون نبياً أسطورة صاحب خوارق ومعجزات قادرة على إدهاشهم، وليس إفهامهم المعنى الحقيقى للإيمان، فى حين علم هؤلاء المؤمنون الأوائل من ثقافتهم الدينية السابقة أن النبى بشر عادى يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق، والفارق بينه وبين غيره أن سيرته فى الحياة تشهد بالحكمة وأن الخبر يأتيه من السماء ليحمل رسالتها إلى العالم.
وأكثر ما كان يميز هذه المجموعة من المؤمنين الأوائل هو الصدق والإيمان: «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه».
وهما خصلتان مطلوبتان فى أية مسيرة نضالية تخوضها قلة ضد كثرة غالبة رافضة لفكرهم الإيمانى.
هذه القلة تكفى جداً لنُصرة فكرة أو قناعة، ولا يحتاج النبى الذى يقودها أكثر منها لنشر رسالته بين الناس، لذلك فقد خاطب القرآن الكريم محمداً بقوله تعالى: «يا أيها النبى حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين».
قدّم المؤمنون الأوائل أرفع نماذج التضحية دفاعاً عن إيمانهم، وكل اسم من الأسماء التى ذكرتها لك كان له فضل كبير فى خدمة هذا الدين، فأبوبكر ضحَّى بكل ما يملك فى سبيل إيمانه، وبلال المؤذن تحول إلى أيقونة إيمانية بسبب ما تحمَّله من عذاب فى سبيل إيمانه تتعلم منها الأجيال المتتالية معنى الثبات على الموقف، وصهيب ترك كل ما يملك من مال فى سبيل إيمانه، وعمار بن ياسر ظل يقاتل ويناضل فى سبيل إيمانه حتى لقى وجه ربه شهيداً وهو شيخ طاعن فى السن، وسلمان الفارسى عاش عقلاً ناقداً يدافع عن قناعاته دون أن يخشى فى الله لومة لائمة.
صحابة النبى، صلى الله عليه وسلم، مثلوا ثمرة التربية المحمدية التى غرست فى نفوسهم الطيبة أجمل معانى الإيمان وأكملها.