توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رواد «الحياة المخملية»

  مصر اليوم -

رواد «الحياة المخملية»

بقلم - د. محمود خليل

اعتاد الجراكسة على الاختلاط بالتتار، خصوصاً فى منطقة القرم (تتنازع روسيا وأوكرانيا عليها الآن)، وكان بعض «التتر» قد اعتنق الإسلام، وتأثر بهم بعض الجراكسة فدخلوا فى دين التوحيد، وتركوا عبادة «شجرة قودوش»، ودخل البعض الآخر فى الإسلام بعد انتقالهم إلى مصر وهم أطفال تم اختطافهم وبيعهم لسلاطينها الأيوبيين، مثلما حدث مع نظراء لهم تم اختطافهم ونقلهم إلى بغداد أو الشام.

لعب المماليك الجراكسة أدواراً مهمة فى مواجهة الصليبيين أيام صلاح الدين الأيوبى، وتمدد نفوذهم داخل الدولة -كما يشير «شاروبيم»- أيام الملك الصالح ابن الملك الكامل، فأكثر من شرائهم ووضع المال بين أيديهم، وانعكس ذلك بشكل واضح على مأكلهم وملبسهم ومسكنهم ومركبهم، حتى أصبحوا سادة على أهل البلاد الأصليين من عوام المصريين.

تحول الجراكسة إلى مراكز قوة على مستوى طبقة الحكم، وعلى مستوى المجتمع، فهابهم الجميع، بسبب انغراسهم فى كل مكان بالدولة، ومع ضعف الحكام السابقين لهم، وارتفاع منسوب اعتمادهم عليهم، استطاعوا إحداث نقلة كبرى فى تاريخهم داخل مصر، وتمكنوا من الانقضاض على السلطة، حين ظهر بينهم الجركسى العتيد «برقوق اليلبغاوى العمرى»، الذى تفوق على جميع سابقيه ومنافسيه على الحكم، وطلب من الخليفة المتوكل البيعة، فبايعه، ومن بعده بايعه الأمراء والقضاة والعلماء سلطاناً على مصر.

من المحطة البرقوقية بدأت رحلة الجراكسة فى مصر ليسهموا بدور محسوس فى تشكيل وجه الحياة فيها على العديد من المستويات، لعل أشهرها المستوى العسكرى، حيث تميزوا بقدراتهم القتالية العالية، فخاضوا العديد من المعارك التى خرجوا منها منتصرين، لكن عابهم -كما ذكرت لك ذات مرة- أنهم كانوا ينقلبون ضد بعضهم البعض بمجرد غياب العدو، ويبقى أن ثمة مجالات أخرى عديدة تأثرت فيها ثقافة المصريين بما أبدعه الجراكسة وما أوجدوه فى حياة هذا الشعب.

ففى مجال الفن على سبيل المثال يحكى راسم رشدى، صاحب كتاب «مصر والجراكسة»، أنهم أول من أدخل آلات الأكورديون والكمان والمزمار، وكان لديهم ولع خاص بالموسيقى والاستماع، وذلك كجزء من ولعهم برخاء العيش.

وفيما يتعلق بالعيشة المخملية فقد كانت جزءاً لا يتجزأ من الفكر الجركسى.

فقد مال الجراكسة إلى «الزخرف» فى بيوتهم ومساجدهم، وبدوا شديدى الحرص على اختيار الأثواب القطيفة «المخملية»، فارتدوا أفضلها، بل وكانت خيولهم تنعم بأفضل كسوة أيضاً، كجزء من ولعهم بالتميز فى الملبس والمركب.ولست أدرى هل ثمة علاقة ما بين «المخملية» و«الخمول» فى الحالة الجركسية؟.

فـ«ميخائيل شاروبيم» يذكر فى كتابه «الكافى فى تاريخ مصر» أن الجراكسة كانوا أهل كسل وبطالة فى حالة السلم، وهى حالة لم تكن تتناسب بالمطلق مع ما أظهروه من نشاط فى المعارك القتالية، ففى الوقت الذى أبدوا فيه أعلى درجات الشراسة مع منافسيهم، فقد مالوا وقت السلم إلى بناء القصور، وتأثيثها بأغلى المفروشات، والتهام أطايب الطعام، واحتساء أغلى أنواع الشراب، وأجود أنواع الدخان، والولع بالموسيقى والغناء.

الجراكسة هم أول من وضع أسس الحياة المخملية الرخية الهنية فى الحياة المصرية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رواد «الحياة المخملية» رواد «الحياة المخملية»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء

GMT 10:26 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

" لفات الحجاب" الأمثل لصاحبات الوجه الطويل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon