توقيت القاهرة المحلي 04:32:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شعب «المتكلمين»

  مصر اليوم -

شعب «المتكلمين»

بقلم - محمود خليل

اعتمد «محمد على» على البعثات كأداة لنقل التطورات الحادثة فى ميادين العلم التقنى والصناعات بأوروبا إلى مصر، وذلك كجزء من مشروعه التحديثى.

أرسل الوالى إلى أوروبا من تعلم الطب والهندسة والفنون والصناعات المدنية والحربية، وأرسل معهم أيضاً عدداً من مشايخ الأزهر الذين رشّحهم شيخه المستنير حسن العطار، وكان على رأسهم الشيخ رفاعة الطهطاوى.

اشتهر المبتعثون الذى عادوا من الخارج داخل قراهم والمراكز الحضرية التى نشأوا فيها، وذلك بما حققوه من ثراء ونفوذ ومناصب منحها لهم ولى النعم، نظراً للأدوار الخطيرة التى باتوا يقومون بها فى إطار مشروعه التحديثى، اشتهر فى مجال الطب محمد على باشا البقلى، وإبراهيم بك النبراوى، وفى مجال الهندسة اشتهر على باشا مبارك، لكن يبقى أن رفاعة الطهطاوى إمام البعثة التى سافرت إلى باريس عام 1826 كان الأكثر شهرة بين كتيبة المبتعثين إلى أوروبا أيام محمد على.

الشهرة الأكبر التى حظى بها «الطهطاوى» مقارنة بالمبتعثين فى مجالات العلوم والفنون والصنائع كمحمد على البقلى وعلى مبارك مسألة شديدة الدلالة عند تحليل الاحتياجات والأثر الذى تركته بعثات الوالى على المجتمع المصرى. فقد فاز «المتكلمون» بالنصيب الأوفر من الشهرة، مقارنة بالتقنيين والفنيين.

ستقول لى وما الضير فى ذلك، خصوصاً أن المجتمعات بحاجة إلى من يُجدّد فكرها وعقلها وفى الوقت نفسه من يطور واقعها التقنى والصناعى والتكنولوجى والمعيشى؟.

سأرد عليك بأن معك حقاً، لكن الذى حدث فى مسألة «البعثات» أورثنا معادلة معكوسة فى التطوير دائماً ما تميل إلى وضع العربة أمام الحصان.

المتكلمون من الأدباء والمفكرين والمترجمين وغيرهم نشروا أفكارهم الحديثة حول دور الدين فى الحياة، وعلاقة العلم بالدين، وتطرّقوا إلى حقوق المرأة، وحق الشعب فى التعليم والتنوير وغير ذلك، لكنهم كانوا متحفّظين فى نقل الأفكار المتعلقة بالتحديث السياسى، وأشار بعضهم إلى أن الديمقراطية لا بد أن يسبقها تعليم الشعب والارتقاء بمستواه الفكرى، أما التقنيون والفنيون فقد قاموا بدورهم فى إنشاء المستشفيات ودراسة الأمراض المتوطنة، وبناء الجسور والقناطر، وتخطيط الشوارع تبعاً لخطط الوالى، وليس طبقاً لاحتياجات الجمهور.

ولو أنك تأملت النتائج بعد مرور ما يقرب من قرن من الزمان على تجربة محمد على فى التحديث -تحديداً عام 1937- فسوف تجد أن عدد المتكلمين من المفكرين والصحفيين والسياسيين، بل من الأفراد العاديين، زاد بصورة كبيرة، كان الشعب يتكلم فى كل شىء وأى شىء، والواقع كما هو. فى المقابل لم نتقدم طوال هذا القرن على المستوى العلمى أو التقنى بالدرجة المطلوبة، بل على العكس تدهورت الأوضاع فى بعض المجالات التى دب فيها النشاط منتصف القرن التاسع عشر، يكفيك فى هذا السياق أن تراجع كتاب «ساعة عدل واحدة» الذى كتبه الإنجليزى «سيسيل ألبورت» عام 1937 لتشاهد حجم التدهور الذى وصلت إليه الخدمة الطبية والرعاية الصحية فى مصر، بل والتعليم الطبى أيضاً، بعد ما يزيد على قرن من الزمان من البعثة الطبية الكبرى التى أرسلها محمد على إلى أوروبا.

المشكلة كما ذكرت لك أننا وضعنا العربة أمام الحصان، فمجتمعاتنا لا بد أن تتطور عملياً وتقنياً وفنياً فى البداية، لتتطور فكرياً بعد ذلك، وليس العكس. فتطوير العقل علمياً هو الذى يؤدى إلى تطويره فكرياً، ولك أن تراجع أثر التكنولوجيا المعاصرة -تكنولوجيا الآى تى- على أفكار المصريين، وكيف دفعت بعضهم إلى تبنى أفكار كانت مسألة قبولها صعبة للغاية فى ما مضى.

بإمكانك -على سبيل المثال- أن تقوم بتتبع تأثير التكنولوجيا على تجديد أفكار الخطاب الدينى وسوف تجد عجباً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شعب «المتكلمين» شعب «المتكلمين»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon