توقيت القاهرة المحلي 23:13:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شعب «المتكلمين»

  مصر اليوم -

شعب «المتكلمين»

بقلم - محمود خليل

اعتمد «محمد على» على البعثات كأداة لنقل التطورات الحادثة فى ميادين العلم التقنى والصناعات بأوروبا إلى مصر، وذلك كجزء من مشروعه التحديثى.

أرسل الوالى إلى أوروبا من تعلم الطب والهندسة والفنون والصناعات المدنية والحربية، وأرسل معهم أيضاً عدداً من مشايخ الأزهر الذين رشّحهم شيخه المستنير حسن العطار، وكان على رأسهم الشيخ رفاعة الطهطاوى.

اشتهر المبتعثون الذى عادوا من الخارج داخل قراهم والمراكز الحضرية التى نشأوا فيها، وذلك بما حققوه من ثراء ونفوذ ومناصب منحها لهم ولى النعم، نظراً للأدوار الخطيرة التى باتوا يقومون بها فى إطار مشروعه التحديثى، اشتهر فى مجال الطب محمد على باشا البقلى، وإبراهيم بك النبراوى، وفى مجال الهندسة اشتهر على باشا مبارك، لكن يبقى أن رفاعة الطهطاوى إمام البعثة التى سافرت إلى باريس عام 1826 كان الأكثر شهرة بين كتيبة المبتعثين إلى أوروبا أيام محمد على.

الشهرة الأكبر التى حظى بها «الطهطاوى» مقارنة بالمبتعثين فى مجالات العلوم والفنون والصنائع كمحمد على البقلى وعلى مبارك مسألة شديدة الدلالة عند تحليل الاحتياجات والأثر الذى تركته بعثات الوالى على المجتمع المصرى. فقد فاز «المتكلمون» بالنصيب الأوفر من الشهرة، مقارنة بالتقنيين والفنيين.

ستقول لى وما الضير فى ذلك، خصوصاً أن المجتمعات بحاجة إلى من يُجدّد فكرها وعقلها وفى الوقت نفسه من يطور واقعها التقنى والصناعى والتكنولوجى والمعيشى؟.

سأرد عليك بأن معك حقاً، لكن الذى حدث فى مسألة «البعثات» أورثنا معادلة معكوسة فى التطوير دائماً ما تميل إلى وضع العربة أمام الحصان.

المتكلمون من الأدباء والمفكرين والمترجمين وغيرهم نشروا أفكارهم الحديثة حول دور الدين فى الحياة، وعلاقة العلم بالدين، وتطرّقوا إلى حقوق المرأة، وحق الشعب فى التعليم والتنوير وغير ذلك، لكنهم كانوا متحفّظين فى نقل الأفكار المتعلقة بالتحديث السياسى، وأشار بعضهم إلى أن الديمقراطية لا بد أن يسبقها تعليم الشعب والارتقاء بمستواه الفكرى، أما التقنيون والفنيون فقد قاموا بدورهم فى إنشاء المستشفيات ودراسة الأمراض المتوطنة، وبناء الجسور والقناطر، وتخطيط الشوارع تبعاً لخطط الوالى، وليس طبقاً لاحتياجات الجمهور.

ولو أنك تأملت النتائج بعد مرور ما يقرب من قرن من الزمان على تجربة محمد على فى التحديث -تحديداً عام 1937- فسوف تجد أن عدد المتكلمين من المفكرين والصحفيين والسياسيين، بل من الأفراد العاديين، زاد بصورة كبيرة، كان الشعب يتكلم فى كل شىء وأى شىء، والواقع كما هو. فى المقابل لم نتقدم طوال هذا القرن على المستوى العلمى أو التقنى بالدرجة المطلوبة، بل على العكس تدهورت الأوضاع فى بعض المجالات التى دب فيها النشاط منتصف القرن التاسع عشر، يكفيك فى هذا السياق أن تراجع كتاب «ساعة عدل واحدة» الذى كتبه الإنجليزى «سيسيل ألبورت» عام 1937 لتشاهد حجم التدهور الذى وصلت إليه الخدمة الطبية والرعاية الصحية فى مصر، بل والتعليم الطبى أيضاً، بعد ما يزيد على قرن من الزمان من البعثة الطبية الكبرى التى أرسلها محمد على إلى أوروبا.

المشكلة كما ذكرت لك أننا وضعنا العربة أمام الحصان، فمجتمعاتنا لا بد أن تتطور عملياً وتقنياً وفنياً فى البداية، لتتطور فكرياً بعد ذلك، وليس العكس. فتطوير العقل علمياً هو الذى يؤدى إلى تطويره فكرياً، ولك أن تراجع أثر التكنولوجيا المعاصرة -تكنولوجيا الآى تى- على أفكار المصريين، وكيف دفعت بعضهم إلى تبنى أفكار كانت مسألة قبولها صعبة للغاية فى ما مضى.

بإمكانك -على سبيل المثال- أن تقوم بتتبع تأثير التكنولوجيا على تجديد أفكار الخطاب الدينى وسوف تجد عجباً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شعب «المتكلمين» شعب «المتكلمين»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:57 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يصبح أول رئيس أميركي يبلغ 82 عاماً وهو في السلطة

GMT 02:39 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

رانيا محمود ياسين توضح قطع علاقتها بالبرامج التليفزيونية

GMT 09:28 2021 الأربعاء ,11 آب / أغسطس

المصري يعلن انتقال أحمد جمعة إلى إنبي

GMT 02:20 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إيمي سمير غانم تكشف عن خلاف حاد مع زوجها تحول إلى نوبة ضحك

GMT 12:25 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

طريقة عمل أصابع الجبنة بالثوم

GMT 11:17 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يتخذ أولى خطوات الرحيل عن ليفربول

GMT 02:40 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

تفاصيل إصابة ابن ماما سناء بفيروس "كورونا"

GMT 01:56 2020 الإثنين ,22 حزيران / يونيو

طريقة عمل البوريك التركي بأقل التكاليف

GMT 21:12 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

إليسا تروج لحفلها اليوم في بث مباشر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon