توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نظرية «الطبق الواحد»

  مصر اليوم -

نظرية «الطبق الواحد»

بقلم - د. محمود خليل

يستغرب البعض لماذا أحب المصريون من مجايلي جمال عبد الناصر ومن بعدهم هذا الرجل أكثر مما أحبوا أنور السادات؟ يقول هذا البعض أن أي مقارنة موضوعية ما بين العصرين (الستينات والسبعينات) يفترض أن توازن بين عطاء الرجلين، وأن تنصف "السادات" في أمور عديدة، كما تنصف "عبد الناصر" في أخرى، السادات فتح أبواب العمل السياسي التي أغلقها عبد الناصر بالضبة والمفتاح، وشرع في أواخر سنواته في علاج مرافق الدولة التي أهملت في الستينات وغير ذلك.

لكل رجل من الرجلين إنجازاته واخفاقاته، ومؤكد أن الشعبية الطاغية التي تمتع بها عبد الناصر خلال حياته وبعد رحيله لدى البسطاء ، مقارنة بالسادات، كان لها ما يبررها بعيداً عن معايرة الإنجازات التي قدمها كل منهما. عبد الناصر ببساطة استوعب المعادلة التي تحكم ثقافة هذا الشعب، والمتمثلة في "الأكل من طبق واحد"، أما "السادات" ففضّل المعادلة النقيضة التي يتأفف منها قطاع كبير من الشعب: "ميجيش من الغرب حاجة تسر القلب".

كان عبد الناصر أفهم من غيره من الزعماء للتركيبة الثقافية التي تحكم "الشعب المصري العميق" الذي ينتشر داخل أحياء مصر القديمة، وفي ريفها، وهي التركيبة المحكومة بفكرة "الأكل في طبق واحد". طبّق "عبد الناصر" هذه الفكرة بصورة أو بأخرى وهو يقسم أرض الباشوات بين الفلاحين، وهو يجعل للعمال حق في أرباح الشركات، وهو يضع التموين بين أدي الجميع، وهو يجعل التعليم للجميع، وهو يحول العمل والانخراط في وظائف إلى حق تكفله الدولة. لذا كان من الطبيعي أن يحبه البسطاء الذين تعيشوا على فكرة "الأكل في طبق واحد"، غير آبهين بالطبع بتأثير هذه التوجهات على المستقبل الاقتصادي للبلاد، وجودة الخدمات بها، والظلم الذي حاق بأصحاب الأراضي والمشروعات التي تم تأميمها.

المواطن البسيط الذي يريد العيش، مجرد العيش الملائم، لم يفكر في أن الأرض التي حصل عليها لم يزرعها عبد الناصر، بل استولى عليها من الباشوات، أو أن الشركات التي يقبض من أرباحها، لم يؤسسها بل أممها، وأعطاه منها، أو أن المرتب الذي يقبضه بلا عمل حقيقي داخل وظيفة منحته لها الدولة يليق به أن يمد يده ويقبضه أم لا، أو أن المدرسة والجامعة التي باتت بالمجان لم تعد تمنح علماً.

المواطن البسيط لم يفكر في هذه الأمور، والغريب أن الانقلاب الذي حدث في أحواله بعد ذلك أكد جانباً من الحكمة في تفكيره على هذا النحو. فالتحول الذي أحدثه "السادات" خلال فترة السبعينات، وتفكيره في نزع يد الدولة من حياة المواطن، ودفعه إلى الاعتماد على نفسه بلا دعم منها، في الأكل، والشرب، والتعليم، والتوظيف، والعلاج، وغير ذلك، وفتح المجال أمام القطاع الخاص لتقديم الخدمات في هذه المجالات وغيرها، لم يؤد إلى تطوير في حياة المواطن، بل أدى رفع تكلفة الحياة دون أن تتحسن شروطها.

فالمدارس والجامعات المدفوعة اشتغلت بنفس معادلة "المجاني" فمنحت شهادات، ولم تمنح تعليماً أو علماً حقيقياً، ورأس المال الخاص ورجال الأعمال اعتمدوا على استغلال الفرص عبر دس أيديهم في مشروعات القطاع العام واقتناصها، واستثمروا بقروض البنوك، وبعضهم استولى عليها وهرب (نواب القروض)، وأصبح المرضى لا يجدون الرعاية حتى ولو دفعوا مثلهم تماماً مثل من يذهب إلى المستشفى الميري.

وفي الحالتين كانت غالبية المواطنين يدركون أن صوتهم ورأيهم لن يفرق أو يغير من الواقع شيئاً، وأنهم مغلوبون على أمره، لذا فضلوا من لعب على فكرة الطبق الواحد، على من لعب على فكرة الأطباق المختلفة التي أتخم بعضها، وفرغ بعضها، وكان الطبق الفارغ من نصيب الأغلبية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظرية «الطبق الواحد» نظرية «الطبق الواحد»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon