توقيت القاهرة المحلي 04:58:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الهروب من المدرسة

  مصر اليوم -

الهروب من المدرسة

بقلم - د. محمود خليل

مقاومة الذهاب إلى المدرسة مسألة قديمة متجددة منذ أن عرف المصريون التعليم، ولم يزل صدى هذه المقاومة يعمل حتى اللحظة، بالأمس كان لهم أسباب واليوم لهم أسباب أخرى.

دعا محمد على الناس إلى إلحاق أولادهم بالمدارس مبدأ إنشائه لها، فلم يستجب له أحد. سمعة السلطة لم تكن طيبة لدى الشعب، بسبب اعتمادها على القسر وسوق الناس بالسخرة إلى ما تريد، خاف الناس على أولادهم من أن يكون مآلهم مثل من سبقهم إلى الاندماج فى مشروعات الوالى، وتقلبوا فى بلاد الله، ولم يعد أهلهم يعرفون شيئاً عن مصائرهم.

قرر محمد على اتباع الأسلوب المعتاد حينذاك لجمع الأطفال للدراسة بالمدارس، فكان يتم اختطافهم وانتزاعهم من أحضان أهليهم، ويدفع بهم إلى المدارس قهراً، قاوم الأهالى -خصوصاً فى القرى- قدر ما استطاعوا، وهرب من الأطفال من استطاع الهرب، لكن آلة جمع الأنفار واصلت العمل، وبالغ مسئولو الأقسام داخل المراكز الحكومية فى تحقيق رغبات الوالى فى هذا السياق، فداهموا البيوت والميادين والحوارى والأزقة لجمع الأطفال، وما أكثر ما كانوا يجمعون عدداً أكبر من المطلوب، إظهاراً للإخلاص والولاء، وكله على حساب الأهالى.

نظام الدراسة فى المدارس أيام الوالى كان داخلياً، فكان الطفل يدرس ويأكل ويشرب ويزود بالملابس وينام فى المدرسة، ويظل معزولاً عن أهله على مدار سنوات الدراسة الطوال، ولا يزور أهله بعد ذلك إلا بإذن الوالى، وعلى ما فى النظام المدرسى من ميزات، إلا أنه لم يغر رب أى أسرة بأن يدفع بولده إليه. أبوالتعليم فى مصر -على باشا مبارك- يحكى فى مذكراته أن نفسه لم تنزع إلى التعليم ولم تمل إلى دخول المدرسة فى بدايات رحلته فى الحياة!.

ظلت الحال كذلك حتى بدأت المدارس فى تخريج أول نماذجها. انبهر الناس بالمتعلمين الذين عادوا إلى أهليهم، رأوهم يرتدون الزى الحسن النظيف، وينالون مرتبات طيبة، وينعمون بالرضا السامى لولى النعم، سمعوا عن التحولات التى حدثت لأسرهم بعد أن أصابوا مناصب أو مواقع مميزة فى دواوين الدولة، والثراء الذى نعموا به بعد جوع وقحط، هذه العوامل وغيرها أغرت الناس بإدخال أولادهم إلى مدارس الوالى، حيث رأوا فى التعليم أداة للصعود الاجتماعى والاقتصادى المجانى، ووسيلة لتحويل أبنائهم إلى أفندية «أبناء الباشا».

فى اللحظة التى بدأت فيها المدرسة تكتسب وجاهتها وحيثيتها من وجهة النظر الشعبية، بدأت تفقد بريقها لدى الوالى محمد على، بل وبدأت تخيفه على ملكه وسلطانه. لقد كتب الوالى محمد على إلى نجله «إبراهيم باشا» مشيراً إلى ما تعانيه أوروبا عندئذ من نتائج تعميم التعليم بين أبناء العامة، أبرزها دفعهم إلى التفكير والتمرد، بما يحمله ذلك من مخاطر.

إنها المعادلة العجيبة التى حكمت المدرسة فى مصر منذ ظهورها، سلطة ترى فيها أداة لإيجاد عناصر موالية ونخبة قادرة على القيام بوظائف معينة لصالحها وفى معيتها، ولا تريد أن تجعل من التعليم علماً ينير العقول وينضجها لأن فى ذلك خطراً عليها، بسبب تناقضه مع هدفها فى سياسة الناس بسلاسة وطاعة. على الطرف الآخر لم تعجب فكرة المدرسة الأهالى فى بدايتها واعتبروها مؤسسة سخرة مثل كل المؤسسات التى تعودوا عليها، فلما بان الأثر الربحى -اجتماعياً واقتصادياً- للأمر دفعوا بأولادهم إليها، لكن تجارب المعلمين الأوائل تشهد على أن أسرهم كانت ترفض منهم أى نوع من التفكير الصدامى مع الأفكار السائدة ورأوا فى ذلك شروداً وإضراراً بثوابت المجتمع، وواجهوها بحسم، لأن الأهالى هم الآخرون لم يكونوا يريدون من المدرسة «العلم» بل الشهادة التى تجلب المال (أيامها طبعاً).

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهروب من المدرسة الهروب من المدرسة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon