بقلم - د. محمود خليل
على هامش غرق أحد مراكب الهجرة غير الشرعية فى «طرطوس» بسوريا ووفاة عشرات الشباب (السورى والفلسطينى واللبنانى) ممن كانوا يحلمون بالهجرة سأل المراسل بعض الشباب من أصدقاء الضحايا عن السبب. توحد الجميع على إجابة: كده ميت وكده ميت.. المهاجر ميت، ومن يؤثر البقاء ميت أيضاً. جادلهم المراسل بأن الدين يحث الإنسان على عدم الإلقاء بنفسه إلى التهلكة «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»، وأن من يقدم على التجربة القاتلة أشبه بمن يقرر الانتحار، والله تعالى نهى عن ذلك: «وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً».
هذه الإجابات وذلك النمط من التفكير تجده متكرراً على لسان العديد من الشباب العربى الذى أقدم أو فكر على الإقدام على تجربة هجرة غير شرعية.
استحضار الدين فى مثل هذه الأحوال ليس مجدياً، ولو ظل خطباء المساجد ودعاة التليفزيون والتواصل الاجتماعى يصرخون ليل نهار فى آذان الشباب بحرمة هذه التجربة التى يعرض فيها الإنسان نفسه للخطر فلن يجدوا آذاناً تسمعهم أو عقولاً تلتفت إليهم، ليس لأن هذا الشباب غير مدرك للمعانى الدينية الجليلة التى تحملها الآيات، بل لأن الواقع الضاغط يشل قدرته على التفكير أو الاستيعاب، فحين يكون الإنسان تحت الضغط يصبح من العبث استفزاز أى قناعات منطقية بداخله.
الدعاة الدينيون يعلمون أن القرآن كما دعا الإنسان إلى عدم إلقاء نفسه فى التهلكة، فقد دعاه أيضاً إلى الهجرة والضرب فى الأرض بحثاً عن رزقه أو تحققه: «قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا»، وبالتالى فالاستناد إلى الدين فى مثل هذه الحالة باستحضار آية وإخفاء أخرى أمر غير منطقى بالمرة، ووجه الغرض والمراوغة فى استدعاء الآية فى غير سياقها واضح.
حل مشكلة الشباب الذى يجازف بحياته فى الهجرة غير الشرعية معروف، والمسألة لا تحتاج أكثر من استيعاب هؤلاء الأبناء وتيسير سبل الحياة لهم، وإفساح المجال أمامهم لينالوا الفرص التى يستحقونها والتى تمكنهم من الحياة. كل ما نحتاجه على هذا المستوى هو التنظيم ما بين الجهود التى تبذلها الحكومات من ناحية ورجال الأعمال من ناحية أخرى، من أجل توفير فرص للحياة أمام هذا الشباب، بالإضافة إلى تنظيم عملية الهجرة لمن يريد، ولكن عبر القنوات الرسمية، وليس عبر مجموعة السماسرة من تجار الموت.
وجود الفرصة يعنى إحياء الأمل. والشباب الذى يقدم على هذه التجربة المريرة يائس بالمعنى الكامل للكلمة. المتخصصون فى علم النفس يقولون إن اليأس هو الدافع الأول للانتحار. ذلك ما يجب أن يستوعبه بعض الدعاة والوعاظ الذين يرون حل مشكلة الهجرة غير الشرعية يتمثل فى إسماع الشباب آية أو آيتين من القرآن الكريم لإقناعه بعدم الإقدام على التجربة. المسألة أعقد من ذلك بكثير.
علينا أن نتخلى عن الوهم الذى عشش فى أركان حياتنا بأن حل أى مشكلة نواجهها يمكن أن يتم عن طريق الطنطنة بكلمتى نُصح فى الإعلام أو بكلمتى وعظ فى الدين.. حل مشاكلنا معروف.