ابن آدم في زماننا هذا لازم يكون لاعب في سيرك.. ينط حين يريد الناس أن ينط.. يسير على الحبل إذا وجد متعتهم في ذلك.. ينكفيء على وجهه إذا كان ذلك يضحكهم.. هذا الزمن لا يحتاج إلى من يفهم.. بل إلى من يطيع.. ارتسمت صورة "سليم" والد "آدم الحفيد" وهو ينصحه بهذه العبارات.. قال لنفسه: متى أقوم وأجري وأعبث.. وأروح وأجىء وأنط.. ينظر إلى جده آدم ويسأل: متى يا جدي.. متى؟.. فيرد الجد: تنقضي الخطوة عندما يأذن الله بها.. وكل خطوة ويلزمها ألف سلامة.
كل خظوة ويلزمها ألف سلامة يا حسن.. أكثر عبارة كان يرددها والد الترجمان على مسامعه.. استجاب "الترجمان" لرأي زوجته والتقى عز الدين الألفي، وتقدم للعمل كمترجم فرنساوي في القلعة وقُبل.
وبدأ عمله بهمة وإخلاص كما تعود.. انضم إلى مجموعة العاملين في مشروع "إحصاء النفوس".
أراد الوالي أن يضبط عملية جمع الضرائب من السكان عن طريق الإحصاء الدقيق لسكان كل خط من خطط مصر.
اختير "الترجمان" ضمن أعضاء المشروع بحكم مهارته في الترجمة، حيث يشرف على المشروع خواجة فرنسي.. بالإضافة إلى اتقانه لقواعد الحساب والعد.
ها هو يتحرك مع فريق التعداد الذي يضم عدداً من البصاصين ومشايخ الحارات والكتبة ويتصدره المدير التركي "سليمان باشا" المسئول عن "قلم الإيرادات".. بالأمس لاحظ "الترجمان" أن الكتبة يهملون في قيد بعض البيوت ومن يوجد فيها من سكان.. لم يظن فيهم سوءاً.. "إن بعض الظن إثم".
الفريق اليوم في شارع النحاسين يواصل العمل.. يلاحظ أن الكتبة يتعمدون إهمال تسجيل بعض البيوت والأسر.. يدرك أن المسألة ليست إهمال.. يذهب إلى أحدهم ويقول له:
- الترجمان: لقد نسيت أن تسجل ثلاثة أسر داخل هذا البيت.
- الكاتب: كله مسجل.. دعك مني.
- الترجمان (بصوت مرتفع) : لقد أهلمت أسرتين أخريين في البيت المجاور له.. ما مقصودك بالضبط؟يجري على "الترجمان" أحد مشايخ الحارات ويقول له:
- شيخ الحارة: هدّي خلقك يا حسن أفندي.. الكتبة يقومون بواجبهم على أكمل وجه.
يشعر حسن أن ثمة تواطؤ لابد من إبلاغ البصاصين عنه.. يبلغ أحدهم فيتركه وكأنه لم يسمعه.. فجأة يجد المدير التركي "سليمان باشا" فوق رأسه يعنفه قائلاً:
- المدير التركي: عرب لار.. ما شأنك بالأمر؟.. افعل ما يطلب منك وفقط.
- الترجمان: لكنهم يسرقون!.
- المدير التركي: أنا المسئول هنا وليس أنت عرب لار.ينتحي "الترجمان" جانباً" ويشعر أن ثمة تواطؤاً بين الكتبة ومشايخ الحارات والبصاصين والمدير التركي لاستبعاد بيوت أو أسر معينة، ليتم جمع "الفرض" منها بعيداً عن الوالي.. يقف ساهماً لا يدري ما يفعل.. ولا ينتبه إلا والخواجة الفرنساوي، وكان بعيداً عن المشهد، يضع يده على كتفه.. يسأله عن الأمر.. فيخبره بما حدث.. ينصحه الخواجة بتقديم عرضحال في القلعة وسوف يعرض على الوالي وينزل بهم أشد العقاب.
- الشاب (ضاحكاً): مؤكد أن "جدي حسن" عمل فيها "أبو علي" وكتب العرضحال.
- الشيخ: وماذا يفعل رجل يخاف يوم الحساب؟.
- الشاب: لو لحق أبي "سليم" واستمع إليه لتعامل مع الأمر بشكل بهلواني حلزوني مختلف.
- الشيخ: "وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين".
كان "الترجمان" رجلاً يعرف كيف يواجه أقداره.