بقلم - د. محمود خليل
يرجّح «ابن كثير» أن قوم «ثمود» كانوا قريبى العهد بقوم «عاد»، ولم يعتبروا بما وقع لهم بعد أن أنكروا دعوة «هود». مشكلة أهل «ثمود» مع نبى الله «صالح» أنهم كانوا مثل «عاد» لا يريدون التخلى عن الموروث عن آبائهم من عبادة الأوثان: «أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِى شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ»، لكن الواضح أن «ثمود» كانت أقل سذاجة من «عاد» حين وجدوا ما يحتجون به على «صالح»، من تمحك بسلطة الآباء على الأبناء، بالإضافة إلى أنهم لم يعربوا عن رفضهم المطلق لدعوة نبيهم، بل عبّروا عن شكهم فى ما يقول.
والواضح من الحكى القرآنى أن صالحاً كان يتمتع بمكانة خاصة داخل المجتمع الثمودى قبل أن يواجههم بدعوته إلى إفراد العبادة لله: «قالوا يا صالح لقد كنت فينا مرجواً قبل هذا». فقد كان النبى جزءاً من ثقافتهم قبل أن يدخل معهم فى هذه المواجهة. وكذلك المجتمعات دائماً تحب من يسمعها ما تريد أو ترغب فى سماعه، والويل لمن يحاول مواجهتها بالحقيقة التى لا تستطيع احتمالها.واجه أهل ثمود صالحاً بالشك، كما حكيت لك، فرد عليهم بأنه يملك بينة قد تُبدد شكوكهم: «قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربى وآتانى منه رحمة».
وفى إحدى المرات وبينما كان «صالح» يدعوهم إلى ترك الأصنام وعبادة الله، طلب منه قومه طلباً عجيباً، فقد كانوا يبنون البيوت فى الجبال: «وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين»، وكان الأهلون من قرية الجبل تلك يتمتعون بسمات اكتسبوها من الطبيعة الصخرية التى يعيشون فيها، دليل ذلك أنه عندما أتاهم صالح يدعوهم، قام أحدهم وطلب منه دليلاً على صدقه، فأشار إلى صخرة عظيمة، وقال له: هل ترى الصخرة التى هناك؟.. رد صالح: نعم، فطلب منه أن يخرج من هذه الصخرة ناقة بمواصفات معينة (من صفتها كيت وكيت)، فسألهم «صالح» هل يستجيبون لدعوته إن تمكن من ذلك؟. فأجابوا: نعم، فأخذ عليهم العهود والمواثيق على ذلك.
قام «صالح» وصلى ودعا واستجاب له خالقه، وانشطرت الصخرة عن ناقة عظيمة الهيكل بارعة المنظر. آمن كثيرون بـ«صالح»، لما رأوا المعجزة بأم أعينهم، لكن آخرين ظلوا على إنكارهم، وكان هؤلاء أصحاب المصالح داخل المجتمع الثمودى، ممن يحقّقون الكثير من المكاسب من وراء عبادة الأصنام. انطلقت الناقة ترعى فى الأرض وتشرب فى يوم معلوم بمفردها، ويخزّنون هم حاجتهم من الماء خلاله.
كانت آية تمشى على الأرض ترسّخ إيمان من آمن، وتثير حنق من حركه الغرض، ولم تشغله قضية الإيمان والإنكار قدر ما انشغل بالمصالح. وكان من الطبيعى أن يُخطّط الفريق الثانى لذبح الناقة التى بدأت تسحب المكاسب من تحت أقدامهم، وفعلوها، حين خرج أحد الموعودين بالشقاء «إذ انبعث أشقاها» وذبحها.
بعدها كان توعّد «صالح» لهم: «فعقروها فقال تمتعوا فى داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب». خطط أصحاب المصالح فى ثمود لقتل نبى الله صالح، ولكن الله شاء أن تسقط على رؤوسهم قطع من الصخر فلقوا حتفهم بها، وانتهى أمر المنكرين منهم للحقيقة برجفة زلزلت الأرض من تحت أقدامهم، فدُفنوا حيث يجلسون.