توقيت القاهرة المحلي 04:58:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عصر القوة

  مصر اليوم -

عصر القوة

بقلم - د. محمود خليل

فكرة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب سادت حياة المصريين بعد نكسة 1967، تقول إن الله تعالى مَكّن المسلمين من أعدائهم فى الماضى بفضل نقائهم الإيمانى وتمسكهم بدينهم، وأن السر فى هزيمتهم المدوية أمام إسرائيل، تلك الدولة الصغيرة التى زرعها الغرب فى المنطقة، هو ضعف الإيمان والتخلى عن الدين. هذه الفكرة آمن بها أيمن الظواهرى وروَّج لها الإسلاميون بعد نكسة يونيو، وصرخوا بأن السبيل الوحيد لاستعادة الأرض والهيبة يتمثل فى العودة إلى الإسلام.

لا خلاف على قيمة الإيمان بالقضية كعامل من عوامل النصر فى أية مواجهة، لكن الأصل فى المسألة هو الأخذ بالأسباب الموضوعية للنصر، كما أن هناك فارقاً بين الإسلام كعقيدة وبين المسلمين، لقد نال المشركون من المسلمين فى غزوة أحد وظهروا عليهم، بسبب عدم الأخذ بالأسباب اللازمة لتحقيق النصر، الهزيمة حاقت بالمسلمين الذين لم يحسنوا الأداء فى المعركة بل غلبت عليهم المطامع فى الغنائم والأسلاب فتركوا ظهر من يقفون فى الصفوف الأمامية مكشوفاً، فانقضَّ عليهم المشركون من الخلف. لم تكن الهزيمة للإسلام بحال من الأحوال، فكيف يمكن أن تهزم فكرة يؤمن بها الإنسان فى قلبه؟

كنت أفهم أن يتوقف الإسلاميون والمصريون عموماً عند الأسباب الموضوعية التى أدت إلى الهزيمة، أفهم مثلاً أن يحدثنا أحدهم عن ضعف الحسابات السياسية فى العديد من القرارات التى سبقت الحرب، أو عن الفردية فى صناعة القرارات وآثارها المدمرة على الأمم والشعوب، أو عن غياب الإعداد الجيد، أو عن استنزاف قدراتنا فى مغامرات عسكرية خارجية لم يكن لها فائدة تذكر، أو عن غياب الفكر العلمى والتكنولوجى، وغير ذلك من عوامل، أما الربط بين الهزيمة والابتعاد عن الإسلام فأمر لا يبدو سليماً، لأن الإسلام لم يغب عن قلوب المؤمنين به فى ذلك الوقت.

إنها الحجة القديمة المتجددة التى دأب العقل المصرى على اللواذ بها كلما قابل هزيمة، منذ الحملة الفرنسية حتى نكسة 1967، فقد ردد البعض ذلك حين تمكن نابليون من غزو مصر، وحين احتلها الإنجليز، وحين احتل الصهاينة فلسطين، ثم كرروها بعد النكسة. كان من الواجب أن يتنبه أيمن الظواهرى والإسلاميون ومن حذا حذوهم إلى أن تكرار الهزائم يوجب عليهم إعادة النظر فى ذلك السبب القديم المتجدد الذى يظهر على هامش كل هزيمة، ولو أنه ومن معه فعلوا لفهموا أن الفكر والأدوات البدائية لا تصنع نصراً، ولا تنصر فكرة أو قضية أو عقيدة، ولجنَّبوا أنفسهم وغيرهم الكثير من المشكلات والمزيد من الهزائم.

عجيب أمر مجتمع يذهب فريق منه إلى أن التخلى عن الدين هو سر تراجعه وأن العودة للإسلام تعنى الرجوع من جديد إلى عصر القوة، مقابل فريق آخر يرى أن الفهم الخاطئ للدين هو سر الأسرار فى حالة التراجع والارتباك التى تضرب فى عديد من النواحى، وأن نبذ الماضى هو وحده الرهان على الدخول إلى عصر القوة.

بعد هزيمة 1967 ظهر داخل المجتمع أيمن الظواهرى ومن على قناعاته، وظهر المضادون له من أصحاب الرؤى التى تزعم العلم والعصرنة، فهل أفلح أحدهما فى العودة إلى عصر القوة فى الماضى أو الدخول إلى عالمه فى الحاضر؟.

مكمن العلة فى حياتنا عند التعامل مع أى مشكلة أو أزمة أو قضية أننا نبحث فى أى شىء إلا أسبابها الموضوعية، رغم أن هذه الأسباب معلومة لنا جميعاً، وأخشى أن يكون السر فى ذلك هو الولع بالمتاجرة بالمشكلات واستثمارها من أجل تثبيت الأوضاع عندما يكون صالح البعض فى ذلك، وفى قلقلتها عندما يكون صالح آخرين فى العكس.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عصر القوة عصر القوة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon