توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»

  مصر اليوم -

«كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»

بقلم - د. محمود خليل

أكبر «غلطة» يقع فيها أى مجتمع أن يرى أفراده الفساد مستشرياً فيما يحيط بهم دون أن يبالوا.

منهجية «لا تبالى» التى تشكل أساس رد الفعل الفردى أو الجماعى داخل بعض المجتمعات أمام وقائع الفساد هى التى توردها بعد ذلك موارد الهلاك، وتزلزل الأرض من تحتها.

يقول الله تعالى: «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ».

ثمة إشارتان فى الآية الكريمة إلى مظهرين من مظاهر فساد الواقع الذى عاشه الجيل الذى يصفه القرآن الكريم من بنى إسرائيل.. الإشارة الأولى تتعلق بمعصية الله.

وجوهر العصيان فى هذه الحالة هو التخلى عن القيم الرفيعة والأخلاقيات السامية التى أمر الله تعالى عباده بأن يتعاملوا بها مع بعضهم البعض، من صدق وتسامح ورحمة وعدل وإحسان.. أما الإشارة الثانية فتلخص جوهر الأزمة داخل هذا المجتمع وتتمثل فى «الاعتداء»، بمعنى الجور وأكل الحقوق وضياعها فيما بينهم، وفيما بينهم وبين غيرهم.

الاعتداء على الحقوق يشكل قمة الفساد داخل أى مجتمع.وضعت الآية بعد ذلك مفتاحاً يمكن أن تستكشف من خلاله مدى سلامة أو مرض أى مجتمع بالفساد، ويتحدد فى قوله تعالى: «كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ».. يعنى كان أفراد هذا الجيل يرون الخطأ أمامهم (ما تصالحوا على أنه منكر) ويمرون عليه دون أن يبالوا.

ها نحن أولاء أمام المنهجية التى تؤدى إلى استشراء الفساد فى الواقع: «منهجية لا تبالى»، أو «دعه يفسد.. دعه يمر».. ومع التراكم الكمى للفساد لا بد أن يحدث تحول نوعى فى كنهه وطبيعته، فيتطور خطوات إلى الأمام ويتحول إلى «خراب» أو «تخريب».فتمدد الفساد يؤذن بالخراب، ويصل بالمجتمع إلى حالة «بؤس مستطير».. والعلاقة بين مفردتى «بئس» و«بؤس» ليست بعيدة وذلك فى قوله تعالى «لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ».

إذاً الحالة الختامية التى يصل إليها أى مجتمع يرى أفراده الأخطاء منتشرة من حولهم ويعبرون عليها بلا مبالاة هى «حالة البؤس» التى تجد تعابيرها على وجوه يعلوها الاكتئاب والضجر، وعروق تنبض بالأحزان، وقلوب تعتصرها الآلام، ونفوس ينسجها اليأس.

كأن مفردة «ضنك» التى ورد ذكرها فى الآية الكريمة التى تقول «فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً» هى الأكثر قدرة على وصف حال المجتمعات البائسة اليائسة، بما تعنيه كلمة ضنك من سيطرة الفقر على الواقع: فقر الجيوب، وفقر النفوس، وفقر الفكر، وفقر الأمل، وفقر العمل.

لعلك تذكر الحديث الشريف الذى يدور حول مجموعة من البشر كانوا كانت على متن سفينة من دورين، توزعوا عليهما، فكان من هم فى أسفلها يصعدون إلى الدور الأعلى ليحصلوا على الماء، وفجأة خرج واحد من سكان الدور الأرضى واقترح خرق قاع السفينة والحصول على الماء مباشرة من أسفل، حتى لا يزعج سكان الدور العلوى.. وهو حديث يدعو قارئه إلى تأمل النتائج التى يمكن أن تترتب على طاعة مثل هذا الأحمق وعدم الأخذ على يديه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ» «كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon