توقيت القاهرة المحلي 05:53:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

احتراف «الشجن»

  مصر اليوم -

احتراف «الشجن»

بقلم - د. محمود خليل

المصرى يحزن كمحترف ويفرح كهاوٍ. فعبر تاريخنا الممتد لآلاف السنين يعرف شعبنا كيف يحزن، وأدوات التعبير عن الحزن لديه عديدة مقارنة بأدوات التعبير عن الفرح، ومحتوى الحزن لديه أكثر سخاءً من محتوى الفرح.

انظر على سبيل المثال إلى كلمات «التعديد» التى اخترعتها السيدة المصرية للتعبير عن أحزانها على من رحلوا. «التعديد» فى مصر له أشكال وألوان. وهو عبارة عن أشعار رثاء تنشدها السيدات للتعبير عن أحزان الفقد ومآثر الفقيد. تأمل أيضاً الأغانى وفكّر فى كلماتها وما تحمله من معانٍ، ستجد أن ثمة تركيزاً على معانى الهجر والفراق والوجع، أكثر مما تعبر عن معانى البهجة والفرح واللقاء. الشخصية المصرية ميالة إلى البكاء فى الفرح والحزن. وأخلد المعانى فى الذاكرة المصرية ارتبطت بأحداث موجعة وهزائم مر بها أهل هذا البلد، وأجمل الضحكات التى تنحت وجوه المصريين يعقبها دعاء «اللهم اجعله خيراً»، لأن الحياة عوّدتهم أن كل ضحكة يعقبها حزن. هل تذكر أغنية محرم فؤاد التى يقول فيها: «وانت عنى بعيد.. الجراح بتزيد.. كل يوم باتألم.. حتى يوم العيد»؟.

يعزو البعض هذه الحالة إلى التجربة التاريخية المرهقة التى مر بها المصريون، والضغوط العنيفة التى مورست عليهم من جانب المستعمرين الذين تقلبوا على البلاد، وهى ضغوط تدفع الفرد إلى الحزن وتذكره به حتى فى المناسبات السعيدة. قد يكون ذلك كذلك، لكننا فى النهاية لسنا استثناءً بين شعوب العالم، فكلها مرت بتجارب حزينة قاسية، ورغم ذلك لا يغلبها الحزن كما يغلبنا. ثمة شىء مختلف فى المزاج المصرى وكذا فى الثقافة العامة السائدة لا بد من البحث والتفتيش وراءه وفهمه، حتى نستطيع التفسير ومن ثم التغيير.

وإذا انتقلت من الماضى إلى الحاضر فستجد أن أهم أداة تكنولوجية معاصرة (الموبايل والإنترنت) تحولت إلى آلة بث وشكوى وتصدير للأحاسيس الحزينة، وأحياناً السلبية. بعبارة أخرى تحولت مواقع التواصل الاجتماعى إلى ساحة تعج بـ«النكد». فأغلب ما يروج عليها من أخبار وتدوينات وتريندات تسيطر عليها الروح السلبية، وقليلاً ما تظفر عليها بالمحتوى العكسى.

هى فى حالات الوفاة سرادق عزاء كبير، وفى الذكرى السنوية ساحة لإحياء المناسبة والدعاء للمتوفى. إذا مرض أحدهم تحولت الساحة إلى مستشفى كبير تتناثر فيه الورود والدعوات والأمنيات الطيبة بالشفاء للمريض. وإذا مر أحدهم بتجربة سلبية مع إحدى المؤسسات حكاها تفصيلاً حتى يتشارك معه الجميع فى التألم مما وصلت إليه الحال، والأمر نفسه يتعلق بالتجارب السلبية مع الأصدقاء أو الأقارب أو الجيران وغير ذلك. لا بأس بالطبع من ذلك، بشرط ألا يزيد على حده حتى لا ينقلب إلى ضده.

الأخبار الموجعة تجد طريقها على مواقع التواصل بصورة أسرع وأكثر انتشاراً من الأخبار التى تنقل صور وتفاعلات الإنسان مع الحياة بشكل متوازن يمتزج فيه الفرح بالشجن.

الشجن جزء من الحياة، والحزن مكون من مكوناتها، لكن ثمة جزء آخر ومكون ثانٍ يحلق به الإنسان فى الحياة يحتاج إلى التنبه إليه.. التوازن مطلوب حتى لا تتحول آلات البث التقليدية والمستحدثة إلى مجرد أدوات لنشر النكد بين الناس.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

احتراف «الشجن» احتراف «الشجن»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon