توقيت القاهرة المحلي 07:38:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإنسان والمكان

  مصر اليوم -

الإنسان والمكان

بقلم - د. محمود خليل

 نشاط العقارات فى مصر قديم قدم حاجة المواطن إلى سكن، وقد نشأ محكوماً بعلاقة واضحة بين المالك والمستأجر، أساسها العرض والطلب، فإذا زاد العرض قل الإيجار، وإذا نشط الطلب ارتفع. وقد دخلنا النصف الثانى من القرن العشرين بثقافة تنظر إلى «المستأجر» كطرف مظلوم فى العلاقة الإيجارية، إذ يسلمه المالك الشقة، ويحصل على الإيجار آخر كل شهر، دون أن يلتزم بأعمال صيانتها (سباكة وكهرباء وغير ذلك) بالصورة المطلوبة.

وعندما قامت ثورة يوليو 1952 أصدر «عبدالناصر» قانون تحديد القيمة الإيجارية عام 1962، ليحارب به ما كان يوصف وقتها بمغالاة الملاك فى تحديد إيجار الشقق على المستأجرين، وأدخل طرفاً ثالثاً فى تحديد القيمة الإيجارية هو «اللجنة»، وهى تضم موظفين من المحافظة، تتحدد مسئوليتهم فى تخفيض الإيجارات التى يشتكى المستأجر منها.

ومنذ ذلك الحين تحول «المالك» من مربع «الظالم» إلى مربع «المظلوم» فى العلاقة الإيجارية.

لم يكتف «عبدالناصر» بذلك، بل سعى إلى بناء ما أطلق عليه «المساكن الشعبية»، وهى شقق تمليك كانت تُمنح لمحدودى الدخل، وعبرها عرف المصريون لأول مرة «الشقة التمليك».

وامتازت هذه المساكن بنظاميتها، وتوافر المرافق بها، وقربها من أماكن التجمع السكنى المعتادة (المساكن الشعبية بالحلمية نموذجاً)، لكن أحوالها ساءت بفعل الإهمال الحكومى والشعبى، وحكمتها نفس الثقافة القديمة التى تعتمد على فكرة الالتصاق والاندماج، والاجتماع على طبق واحد، إلى حد أن بعض الأهالى بدأوا فى تعلية مبانيها لتوفير شقق لأولادهم المقبلين على الزواج.

كانت المشكلة وما زالت فى التصور الخاطئ الذى يحكم صانع القرار على هذا المستوى، حين يظن أن مجرد نقل الإنسان من مكان إلى مكان سيؤدى إلى تطوير شخصيته.

الشخصية بما يحكمها من ثقافة يجب أن تتطور أولاً، وإذا حدث ذلك فستجدها مدفوعة إلى تطوير المكان، فالمكان جماد والإنسان كائن حى، ولم يحدث فى التجربة الإنسانية أن طور جماد كائناً حياً، بل العكس هو الصحيح.

والتطوير بمعادلة «الأولوية للجماد» تجعل السيئ أسوأ. وقد حدث ذلك بالفعل. فبعد أن أصبحت «اللجنة» المسئولة عن تخفيض الإيجار سيفاً على رقاب الملاك، زادت المشاكل بين طرفى العلاقة الإيجارية، وأحجم الكثير من المستثمرين العقاريين عن البناء، وحين تولت الحكومة بنفسها مهمة بناء المساكن الشعبية أهملت أن التطوير يبدأ بعقل الإنسان، ليدرك الجيد والردىء فى ثقافته، ويتولى هو بعد ذلك بنفسه تطوير المكان الذى يعيش فيه، عبر محاربة القبح، وتعظيم الجيد.

ظهرت نتائج هذه الطريقة فى التفكير بدءاً من النصف الثانى من السبعينات، حين بدأت أزمة السكن فى الظهور، بسبب كثرة الطلب وقلة العرض، وظهر نظام التمليك كوسيلة يضمن بها مالك العقار عدم تدخل الحكومة بينه وبين المستأجر عند تحديد قيمته.. ولو أنك راجعت بعض الأفلام التى ظهرت حينذاك فستصادف بعض أبعاد المشكلة، مثل فيلم «شقة وعروسة يا رب» (1978) و«الشقة من حق الزوجة» (1985).

حينها بدأ قطاع من المصريين يدخل مرحلة «الخطف» حتى على مستوى السكن، فشاعت عمليات النصب فى تأجير الشقة لأكثر من شخص (مع قبض خلوات من الجميع)، وتحطمت العلاقات الأسرية، وعلاقات الحب والزواج، بسبب العجز عن تدبير شقة (راجع فيلم صاحب العمارة 1988)، وبدأت عمليات البناء على أراضى وضع اليد، وعلى الأراضى الزراعية من جانب المواطنين العاديين، الذين لم يجدوا غضاضة فى ذلك ما دامت الدولة تعطى الأراضى بسخاء للمحظوظين.

عدم احترام الثقافة الاجتماعية السائدة، والظن الخاطئ بأن المكان قادر على تطوير الإنسان، ومحاولة التحكم فى العلاقات الطبيعية ما بين البشر، يحول أى نظام إلى فوضى، ويدفع الناس إلى أكل بعضهم بعضاً بدلاً من الأكل مع بعض.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإنسان والمكان الإنسان والمكان



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 02:08 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات في سوريا
  مصر اليوم - نتنياهو يعقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات في سوريا

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 21:40 2019 الخميس ,26 أيلول / سبتمبر

هزة أرضية بقوة 6.5 درجات تضرب إندونيسيا

GMT 02:54 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

خبراء يكشفون عن مخاطر تناول العجين الخام قبل خبزه

GMT 23:10 2019 الجمعة ,05 إبريل / نيسان

نادي برشلونة يتحرك لضم موهبة "بالميراس"

GMT 07:26 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

حسابات التصميم الداخلي الأفضل لعام 2019 عبر "إنستغرام"

GMT 06:56 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

أب يُصاب بالصدمة بعدما استيقظ ووجد ابنه متوفيًا بين ذراعيه

GMT 11:35 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تشيزني يبيًن ما دار مع رونالدو قبل ركلة الجزاء هيغواين

GMT 09:16 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

زوجة المتهم بقتل طفليه "محمد وريان" في المنصورة تؤكد برائته

GMT 17:55 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

فستان ياسمين صبري يضع منى الشاذلي في موقف محرج
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon