توقيت القاهرة المحلي 12:30:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الستر.. وعيشة الأعيان

  مصر اليوم -

الستر وعيشة الأعيان

بقلم - محمود خليل


يعيش «الحرافيش» من البسطاء بالأمل فى حياة يجللها الستر، بعضهم ينتعش فى حالات الفوضى، ويجد فيها مرتعاً وخماً، وبعضهم الآخر يطمح إلى الصعود نحو منصات الأعيان ليعيش عيشة الكبراء، لكن الغالبية لا تطمح إلا للستر، وترضى بأبسط الأشياء، وتحمد ربها مانح الخير، وتدعو لمن أعطاها وجعله الخالق سبباً فى رضاها، تعرف مبلغ ضعفها وعندما تظلها يد قوية بحمايتها ترفعها فوق الأكتاف، وتدفع بها إلى أعلى عليين، ولو تنكرت لها هذه اليد بعد ذلك فإنها لا تحزن ولا تندم، لا لشىء إلا لأنها تعلم أن التنكر سمة من سمات المتحولين الذين بدأوا مغازلة الحرافيش بالقوة النبيلة، حتى إذا صعدوا إلى ما يريدون تبدل حالهم واتجهوا إلى لعبة «القوة الغشومة».

تلخص رحلة «سليمان الناجى» حفيد عاشور الكبير -القصة الثالثة من ملحمة الحرافيش- عملية التحول تلك التى وقعت لأحد حرافيش الحارة. أعده أبوه «شمس الدين» لاستكمال الرحلة، ونجح فى البدايات، وسار على درب جده القوى النبيل، لكن سرعان ما انقلب على عقبيه، وتاق إلى عيشة الأعيان، انضم إلى كبرى عائلات الحارة «عائلة السمرى» وتزوج من «سنية السمرى»، وأنجب منها ذكرين، وأنشأ بمال العائلة وكالة كبيرة، وأصبح من وجهاء الحارة.

عبر البوابة التى طرق عليها «سليمان» ليخرج من جلده الحرفوشى ويحقق طموحه بالانضمام إلى «أعيان الحارة» كان مقتله. فالفتونة والوجاهة لا تجتمعان. والفتوة الذى يسير فى اتجاه العيش الفاخر يقضى على نفسه، فالشرارة المقدسة المشتعلة بالقوة النبيلة تخبو فتخور قوة الساعد ويترنح الجسد القوى تحت وطأة النعيم. وذلك ما حدث لسليمان حين انتشرت فضائحه وفضائح بيته فى الحارة فبدأ الحرافيش يترحمون على عهد عاشور الناجى، وبداوا يتضجرون ويتجمعون مطالبين بحقوقهم، حاول «سليمان» رشوتهم، كما تعود منذ أن أصبح تاجراً، لكن ذلك لم يخفض من منسوب الغضب العام.

نشر نجيب محفوظ رواية الحرافيش عام 1977، وهو عام شديد الدلالة فى حياة البسطاء من أهل بلادنا حينذاك. فهل يمكن الارتكان إلى سياق حقبة السبعينات والقول بأن نجيب محفوظ كان متأثراً بتجربة الرئيس الراحل أنور السادات وهو يرسم شخصية «سليمان الناجى»؟.

بدأ السادات رحلته فى الحكم معلناً ولاءه الكامل لمبادئ عبدالناصر والمفاهيم التى بنى على أساسها علاقته بالبسطاء من عمال مصر وفلاحيها، خاض الحرب وانتصر، وبدأ يدشن لشرعية جديدة، وسمات مجتمع جديد، ظهر ميله إلى طبقة رجال الأعمال من أهل مصر، وتشابك معهم فى علاقات شديدة التركيب، ومنحهم فرصاً كبيرة للتمدد داخل المجتمع، وبمرور الوقت ضاقت فرص الحياة أمام البسطاء من حرافيش مصر، واتسعت المساحة أمام القطط السمان. ولا أجدنى بحاجة إلى تذكيرك بالأحداث التى عبَّر فيها حرافيش المحروسة عن غضبهم من التحولات الجديدة التى طرأت على المجتمع.

إنه خطأ انصياع الذات لرغبات أكبر من إمكانياتها أو قدراتها، وشغفها بما فى أيدى غيرها، وعدم الرضا بالواقع، حتى ولو كان «حرفوشياً».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الستر وعيشة الأعيان الستر وعيشة الأعيان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon