بقلم - سمير عطا الله
لا بد للكوميديا أن تأتي من مصر حتى لو كان الكوميدي نفسه من العراق، مثل نجيب الريحاني، الذي تصدّر السرب الطويل لعقود. ولا يزال اسمه مرجعاً. وكان القرن الماضي، من بداياته إلى نهاياته، خصباً بأعلام الضحك والفرح. سواء على خشبة المسرح أو شاشة السينما، ملأ المضحكون والمضحكات حياةَ العرب بهجةً شبه مجانية. وتطور الفنانون مع تطور الفن. وعندما برز سمير غانم، قال محمد عبد الوهاب للشاعر فاروق جويدة إن الكوميديا قد ارتقت من فن الشفاه الغليظة إلى النص الرفيع. وكثرت الوجوه المضحكة من دون تهريج. وأخذ فؤاد المهندس قلوب الناس، ووسّع صدورها. وصادف ظهور عادل إمام مع انتشار الافلام الملونة. احتل الموقع الأول. وجلس.
هناك نوع معيّن من الناس يُولدون لدور معيّن. لا يحتاج الدخول إلى معهد تمثيل ولا إلى دروس. شارلي شابلن كان أعظم هؤلاء. أنطوني كوين وأودري هيبورن. وفاتن حمامة. جميع من ظهروا في الكوميديا بعد عادل إمام، ظهروا حوله. هو النجم محطم الأرقام، ومالئ مقاعد دور السينما. هو الزعيم.
مثل النجوم الكبار من قبله، لن يكون الزعيم فناناً فحسب. بل شخصية اعتبارية مشاركة في الهم الوطني، كما كان الرواد السابقون، أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ. وإذ يبحث عن شريكة أولى على الشاشة، لا يفتش عن وجه مضحك، أو شويكار أخرى، بل يعتمد جمال يسرا، ويرسم عليه ملامح الضحك. نظارات في حجم مسبار، أو مجلس عزاء مليء بالفاتنات. وتخلت يسرا عن «وقار» النجمة الكبرى كي تؤدي دور المصرية المكسوفة.
يحتفي المصريون هذه الأيام بالعام الرابع والثمانين للزعيم، ونصف قرن جميل من عمله الإبداعي. من عز إلى عز، الكوميديا المصرية.
لا يمكن أن نتساءل عن السرب الجديد في الكوميديا. عادل إمام مدرسة، ولكن من دون تلاميذ. من الصعب تقليده دون الافتضاح، ومن المستحيل ادعاء خلافته. الشخص والشخصية يبقيان نسيجاً واحداً. فيما تُعد الكوميديا المصرية بعبقري آخر تحمل شارته للسنوات التالية، وقد لا يكون بالضروري مصرياً. بل ربما جاء، مثل الريحاني، من بلاد المواويل الباكية في العراق، أو من لبنان مثل عبد السلام النابلسي، أشهر «نجم» في تاريخ الشاشة.