توقيت القاهرة المحلي 08:26:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بلاد الأمثال

  مصر اليوم -

بلاد الأمثال

بقلم :سمير عطا الله

ليس من اللطافة في شيء أن تولد في وطن تضرب به الأمثال، كما له أنه جحا الجغرافيا، مثلما جحا الأول جحا التاريخ. كلما حدث حادث قاسٍ ومبلبل، تسرع الأقلام والذاكرات إلى لبنان، تستعير منه هشاشته، وتذكّر الناسين أن تنوعه الجميل، يمكن أن يتحول في لحظة مرضية، إلى قتال سافل. وها هي الأقلام تغطس في المحابر وتخرج متباهية بمعرفتها: لبنان. إيران. باكستان. أفغانستان. وكل ما ينوَّن ولا ينوَّنان.
فجأة قفزت صحف العالم إلى لبنان حيث الحزب أقوى من الدولة، وحيث الدولة أضعف من الناس، وحيث الفساد أقوى من الجميع، وحيث الحشيش خي الأفيون، وحيث الجبال قممها في السماء، وحضيضها في جهنم. عبثاً تحاول إقناع السادة المحللين أن لبنان ليس أفغانستان. يا جماعة، نحن بلد على البحر، مفتوح وأزرق سماوي، بينما أفغانستان جبال مغلقة جرداء، كما ذكّرنا كاتبنا ومعلمنا عبد الرحمن شلقم. شاهقة وجرداء ولا رعي ولا صوف من كشمير. وجبال لبنان مصايف وعصرية عليلة مثل «عصرية العيد»، كما غنى عوض الدوخي، وهو يرخّم بصوته حرّ العصر في زمن الأحباب: «صوت السهارى يوم - مروا عليّ - عصرية العيد». ثم يغور الزمن في الجفون، وتنعس الأحداق، وينسى العيد لماذا كان يأتي، ويغفو السهارى عما كانوا يسهرون.
هكذا أيضاً كنا نتذكر العصرية في الجبال. والبحر أزرق سماوي. وهل حقاً بيروت كابل، أم هو تسرع المقارنات؟ الشبه الأكبر أن أهل الجبال أشداء حيثما ارتفع عن الأرض ارتفاع: واحد في علو تلة. وواحد يربو فهو رابية. وواحد ما هو إلا هضبة في الهضاب تطل على البحر، فتقف فوقها فيروز وتنشد «شايف البحر شو كبير - قد البحر بحبك». أو تقف فوق تلة أخرى وتغني إلى صبية القرية التي ترعى أغنامها: سوقي القطيع إلى المراعي - وامضي إلى خضر البقاع - ملأ الضحى عينيك بالأطياف من رقص الشعاع - يحكي الغدير صدى هواه إذا مررت على الغدير - ويصفق الشحرور حين ترفرفين على الصخور».
ذات صيف كنت مع العائلة نعبر جبال الألب، وأنا أظهر ثقافتي وأشرح الطريق التي سلكها هنيبعل ثم نابليون، والآن فرقتنا. وفجأة بانت لنا في المنحدر راعية شابة، حمراء الوجه، تغطي رأسها بمنديل القرى، فأخفضت رأسها خجلاً وتظاهرت بأنها تدفع أغنامها بعيداً.
نسيت هنيبعل ونابليون. وتذكرت راعيات لبنان وفيروز تشدو «من فتنة الوديان لوَّنتِ مراميك خصابا - تتعشقين الغاب أشجاراً، وتهوين الرحابا»!
كم مرة قلت لك يا صبي، خلقت للشعر. ما لك ولزلازل أفغانستان ومهازل لبنان. ألم تتعلم من إيمانويل ماكرون، الذي عندما قرر أن يزور بلدك، اختار بيت فيروز. ماذا طلب منها أن تغني له؟ لا أدري على وجه الضبط. الأرجح أنها أكملت «وعلى مصب النبع في الحنوات لاح خيال راعي - كوفية بيضاء تسبح في المرابع كالشراع - يشدو يقول وصوته الداوي يهيم بلا انقطاع - سمراء يا أنشودة الغابات يا حلم المراعي».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بلاد الأمثال بلاد الأمثال



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon