بقلم :سمير عطا الله
لا بد أولاً من الاعتذار عن الأسماء الروسية، فهو أمر لا علاقة لنا به ولا حتى لأصحاب هذه الأسماء أنفسهم. قرأت مؤخراً مقابلة مع الروائية والمسرحية، ولاحقاً المغنية لودميلا بتروشفاسكايا، التي تعد اليوم واحدة من أشهر الأعلام في بلادها، وينظر إليها البعض على أنها ألكسندر سولجنتسن النسوي. حازت لودميلا معظم الجوائز المهمة في روسيا على أعمالها الروائية، وأشهرها مذكراتها بعنوان «الفتاة من فندق المتروبول» (2017). تبدأ المذكرات بولادتها عام 1938 لعائلة ميسورة. وعندما أصبحت في التاسعة من العمر، أُرسل والدها إلى السجن كواحد من الملايين الذين أُعلنوا «أعداء الشعب». وخرجت الطفلة المدللة لتعيش مشردة على الأرصفة، أو حزينة في بيوت الأيتام. لكنها ثابرت على التعلم، وتخرجت في كلية الصحافة. حاولت مرات عدة البحث عن ناشر يتبنى أعمالها الأدبية. لكن نادي الكتاب الرسمي كان يقول لها باستمرار إن أمامها صفاً طويلاً من الانتظار يضم نحو 12000 مؤلف ما بين ميت وحي. ولم تجد فرصتها إلا بعد مجيء ميخائيل غورباتشوف. وبدأت مرحلة البريسترويكا في الاتحاد السوفياتي. وبدأ نجاحها في المبيعات على الفور. واعتبرها بعض النقاد أنها أنطون تشيكوف الجديد. وحازت على الفور جائزتي «بوكر الروسية» وجائزة «بوشكين»، وكانت عناوين كتبها كافية لإثارة الاهتمام بين الناس والنقاد على السواء، مثل «التوقيت: ليلاً» و«كانت هناك ذات مرة امرأة حاولت أن تقتل طفلة جارتها»، و«كانت هناك مرة فتاة قامت بإغراء شقيقة زوجها، وشنق نفسه»، و«كانت هناك أم أحبت أبناءها إلى أن عادوا إلى المنزل».
انصرفت لودميلا في السنوات الأخيرة إلى الغناء، على المسارح وكتابة نصوص جديدة للأغاني القديمة. وتقول إنها تمنح معظم مدخولها من كل الأعمال إلى جمعيات الاعتناء بالمعاقين. ويُعتقد أن ثمة معاقاً في العائلة، لكنها ترفض الكشف عن ذلك. وتتواضع كثيراً في الحديث عن أعمالها، فالروايات في روسيا مجرد عمل بسيط لأن الروس شعب كثير الحكايات، ومن أجل أن تصبح روائياً ليس عليك سوى أن تصغي. الباقي يأتي في صورة عفوية جداً.
فاتني أن أذكر أن سيدتنا هذه رسامة أيضاً وناقدة لاذعة. ويعود الفضل في اختيار الأدب إلى جدتها الفقيرة التي رُميت في حضنها أيام الطفولة. وكانت الجدة تحفظ عن ظهر قلب الأعمال الروسية الكبرى مثل «الحرب والسلم»، وقصائد ألكسندر بوشكين. واكتفت هي بحفظ الشعر الروسي على مدى حياتها.
بعد أن تقرأ أحاديث صاحبة «الفتاة التي جاءت من فندق المتروبول»، تتساءل تلقائياً كم من المواهب الروسية ذهبت في انتظار دورها في النشر، أو سلة المهملات، أو في الأقبية التي رمى فيها الـ«كي جي بي» أعمال المعارضين. وتروي لودميلا أن نقابة الأدباء ردت إلى أحدهم مخطوطة كان قد أرسلها لكي يُنظر في أمرها قبل 14 عاماً.
التقت لودميلا فلاديمير بوتين غير مرة. وتقول إنه رجل شديد الذكاء لكنه صامت كبير. وقد سألها عن حياتها في فندق المتروبول، ومن ثم انتقالها إلى فقر مُرعب، حيث تروي أنها أمضت 6 أشهر من دون حذاء أو ثياب داخلية، لكن في تلك الفترة (1947) لم تكن المعاناة حكراً عليها، فقد كانت روسيا بأجمعها تعاني من مجاعة لا توصف.