بقلم: سمير عطا الله
حتى الآن كانت معركة الرئاسة الفرنسية من دون مفاجآت تذكر: الرئيس الجالس هو الأقوى. مرشحة اليمين ماري لوبن، تشكل خطراً لكنه غير قاتل، وعلى يمينها إريك زمور، مسلياً أحياناً منفراً غالباً، كعادة اليمين المتطرف. المسيو ميلانشون، اليساري الجاف فاقد الابتسامة والأمل.
أطلت المدام فاليري بيكرس: اليمين الوسط ومعها أسماء رجاله: شارل ديغول، وجورج بومبيدو، وجاك شيراك، وتُعَرِّف المدام بيكرس على نفسها بأنها ثلثا أنجيلا ميركل، ثلث مارغريت ثاتشر. وقد تخرجت في الإدارة والأعمال من أهم ثلاث جامعات فرنسية، بدل الواحدة، وكل منها تعد لعضوية نادي الرؤساء. وهي أول امرأة تدخل هذا النادي، وقد تصبح أول امرأة تدخل الإليزيه وليس كفرنسية أولى.
إنها الخطر الحقيقي الوحيد على حظوظ المسيو إيمانويل ماكرون، في انتخابات أبريل (نيسان) المقبل، وقد يكون حظه مثل حظ سلفيه؛ نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، اللذين كان حظهما من الرئاسة ولاية واحدة، بدل الولايتين اللتين يتنعم بهما الرئيس الفرنسي عادة. لكن ولاية ساركوزي كانت مشوشة بأخبار الفضائح المالية، وولاية هولاند كانت باهتة إلى درجة أن أحداً لا يذكر أنه مر في الإليزيه.
وصول ماكرون في الولاية الأولى كان عاصفاً ومفاجئاً: شاب مجهول، من دون قوة حزبية تذكر، ومصرفي عادي، يبرز فجأة مثل فلتة الشوط في السباق ولا يتوقف إلا فائزاً. مثل جميع مَن سبقه يجد القضايا الشائكة في انتظاره: علاقة مضطربة مع أميركا، وعلاقة سيئة مع الجارة البريطانية التي تخرج من أوروبا، وعلاقة متفاوتة في الشرق الأوسط. وفي الشرق الأوسط يغني مع فيروز «بحبك يا لبنان»، لكنه يكتشف أنه لم يبقَ من لبنان فيروز سواها.
لم يتراجع. حمل لبنان، وجاء به إلى الرياض، يطلب مساعدة الأمير محمد بن سلمان. لكن في الرياض رأى للبنان صورة أكثر تعقيداً: دولة مفككة وبلد بلا إرادة وغير قادر على الالتزام بأي شيء، حتى إلى الصندوق الدولي القادم إلى انتشاله من قعر البئر.
المسألة أن فاليري بيكرس قد تكون فعلاً مزيجاً من ميركل وثاتشر، أهم سياسيتين في أوروبا الحديثة. نموذجان يستهويان الناخب الأوروبي اليوم إلى حد بعيد، فيما تتلاطم أزمات بوريس جونسون ببعضها، ويحل مكان ميركل رجل مجهول وخالٍ من أي كاريزما.
في كل حال، صورة المعركة الرئاسية على بعد أربعة أشهر، رجل في مواجهة سيدتين: مرشحة دائمة لا تفوز، لوبن، ومرشحة عاقلة أملها في النجاح يهدد الرئيس.