بقلم: سمير عطا الله
عندما نقلت فرنسا جثمان أندريه مالرو، قال الرئيس جاك شيراك، في خطاب الاحتفال، إن فرنسا تفتخر دوماً بتراثها الأدبي والفكري والفني، ولم يقل السياسي أو العسكري. يختار كل فرنسي، خصوصاً السياسيين، أن يكون كاتباً أولاً. وربما أخيراً، أي بعد الخروج من الإليزيه، من أجل أن يروي تجربته للفرنسيين، وهي تجربة لا تليق إلا بالعظماء مثل ديغول، أو بالأقل تاريخية مثل فرنسوا ميتران، أو الجيدة مثل جاك شيراك، أو «المعدل» مثل جيسكار ديستان، أو دونه مثل فرنسوا هولاند.
لا يلام الأخير على عادية ولايته (5 سنوات) ولا يمجد. إنه بيروقراطي عادي صاحب شخصية باهتة، لكن الفرنسيين اختاروه وقرروا انتخابه، وانتهى الأمر. أو بالأحرى لم ينتهِ الأمر، فقد قرر المسيو هولاند أن يدون تجربته. وهذا أمر يدعو إلى العطف مرتين: المرة الأولى، الرئاسة نفسها، والثانية تدوينها. والحقيقة أنني لم أكن لآتي على ذكر كتاب المسيو هولاند «دروس السلطة» إلا لسبب لا علاقة مباشرة له به.
ففي المذكرات يخصص الرئيس السابق صفحة، أو أكثر، للحديث عن خليلته السابقة وأم أولادهما الأربعة، والمرشحة أيضاً للرئاسة. كما يخصص بضعة أسطر للحديث عن خليلته عندما أصبح في الإليزيه ثم تركها لسيدة أخرى. وواضح أن طرزان الرئاسة الفرنسية ليس دون جوان، ولا فالنتينو، ولا صاحبنا وصاحب قالت الكبرى، والوسطى، والصغرى التي تيمها عمر.
صحيح أن فرنسا بلد حريات اجتماعية كثيرة. وأن كل إنسان حر بعلاقاته العاطفية. ولم يعد الفرنسي يقتل بالسيف في مبارزة من أجل شرف امرأته. لكن قبل السماح بنشر «مدام بوفاري»، أشهر روايات الأدب الفرنسي، لغوستاف فلوبير، قامت فرنسا كلها ضد الكاتب والكتاب، خصوصاً الحاكم نابليون الثالث. فإذا كان المجتمع الأدبي حراً في الخروج على التقاليد المألوفة، فرئيس الدولة لا حق له بإعطاء المثل السيئ، أو الذي يعترض عليه جزء كبير من أركان المجتمع.
طبعاً «دروس السلطة» ليس «مدام بوفاري» ولا المسيو هولاند غوستاف فلوبير. إنه بالكاد، من الناحية الفكرية، يقارب خلفه نيكولا ساركوزي، الذي أصر على لعب دور «الدون جوان» في الإليزيه بالزواج من المغنية كارلا بروني. لكن الرئاسة تتطلب، خصوصاً في فرنسا، أكثر من جعل الفرنسية الأولى خليلة. وقد اخترنا هذه العبارة عملاً بنصيحة ابن الرومي، الذي أراد أن يشعر العالم كله بما يعذبه فقال: يا خليليَّ تيمتني وحيد. أما من حيث المبدأ فكان في إمكان فخامته أن يعقد زواجاً مدنياً رسمياً عند رئيس بلدية باريس، في 5 دقائق وفقاً للقانون الذي تعتمده جمهوريته منذ أكثر من قرنين. والإيجابي في المسألة، أن هولاند لم يتوقف طويلاً عند ذكر زياراته الليلية إلى منطقة الريفولي على دراجة نارية وخوذتها القانونية. فمهما تخفى لا يمكن أن يخدع الحرس الجمهوري. إلا إذا كان هذا ما يقصد، مثل الزير ميتران، الذي كان يقول للسيدة الخارجة من الإليزيه بعد منتصف الليل: كوني لطيفة مع الحرس، لئلا يسيئوا الفهم. وهي الجملة التي قالها (بالعربي) الراحل سعيد صالح لزوجته عندما ضبطت غريبة في فراشهما: ما تفهمنيش غلط.