بقلم: سمير عطا الله
كان الرئيس سليمان فرنجية يكره وزير الخارجية فؤاد بطرس ويلقبه «طائر ألبوم». والسبب خلاف حاد في الطباع. فالرئيس متفائل بالدنيا والناس، لا يحب الأخبار السيئة، لكي لا يتكدر مزاجه. وقد منح ذات يوم وساماً رفيعاً لسيدة من بلدته زغرتا تدعى «فرنسا»، جاء بها إلى القصر الجمهوري لأنها كانت ماهرة جداً في دق الكبة النيئة، التي تحلو له ظهر الأحد في جو عائلي.
في المقابل، كان الوزير فؤاد بطرس، بحكم موقعه، على اطلاع دائم على أخبار العالم، يتلقى التقارير عن الأخطار التي تحيط بلبنان وتحيق بالمنطقة، ويتخوف من مصداقية التقارير، وفوق ذلك كله لا يقرب اللحم النيء. وبسبب ما يسمع ويقرأ ويستقرئ، كان الوزير بطرس متشائماً على الدوام، خصوصاً بعد انفجار الحرب. لكن كل هذه العوامل لم تشفع له لدى الرئيس فرنجية، فقد ظل بالنسبة إليه بوماً، من الأفضل تجنب لقائه أو الاستماع إليه وإلا تكدرت كبة ظهر الأحد.
العام 1975 أصبحت رئيس تحرير «الأسبوع العربي»، التي كان ناشرها جورج أبو عضل. وكان الرجل يخوض الانتخابات على لائحة واحدة مع فؤاد بطرس. ولهذا السبب، جاء الوزير يهنئني. وتقديراً للخطوة، لم أكتف بوداعه عند باب المصعد، بل رافقته حتى سيارته. وسألته في الطريق ماذا يقرأ هذه الأيام، فقال الصراع على النفط، وأنت؟
قلت له، معالي الوزير، إنني أقرأ كل ما صدر عن إسبانيا عشية الحرب الأهلية. التشابه مخيف. العناصر المتماثلة مخيفة. النيات المعلنة واحدة. الذرائع متقاربة! بعد سنوات ظل الوزير بطرس يذكرني بذلك الحوار، أينما التقينا، في بيروت أو باريس أو الأمم المتحدة.
منذ أن اشتعلت حرب أوكرانيا ولا يغيب عن بالي صراع الرئيس فرنجية والوزير بطرس. كل يوم أبحث عن شيء لا يقلق أكتب عنه لكي لا أثقل على جنابكم. وكل يوم أزداد خوفاً. وعندما قرأت عن الحرب العالمية أول مرة اعتقدتها مزحة ثقيلة. لكن الحرب تزداد توسعاً كما في إسبانيا، والرفيق كيم قد ينضب مخزونه من الصواريخ الباليستية ويمد يده على مستودع النووي. وكلما دمر الرئيس بوتين مدينة أوكرانية، فتح لها «ممراً إنسانياً» يهرب منه الأحياء.
وأنا لست خائفاً مما عليّ أن أكتب كل يوم، بل مما علي أن أقرأ. أو أن أسمع. وقلبي مع المراسلين في تلك الجبهات المجنونة. الحرب الأهلية الإسبانية مجرد خناقة بالمقارنة مع هذا الجحيم المتصاعد.