توقيت القاهرة المحلي 09:24:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مفكرة القرية: تحصيل دار

  مصر اليوم -

مفكرة القرية تحصيل دار

بقلم:سمير عطا الله

في أوائل الخمسينات كان لا يزال يُعرف باللقب التركي «تحصيل دار»، أي جابي الضرائب. وكان هو أيضاً من الزمن العثماني، من دون أي تعديل، أو أي محاولة في ذلك، لزوم المهابة والوقار وسمعة الدولة العلية. ولم نعرف له اسماً، فيُعرف فقط بلقبه المخيف. وإضافةً إلى اللقب، كان يحمل عصا لمّاعة، ويعتمر طربوشاً، ويرتدي بذلة صيفية بيضاء، تؤكد وجاهته بين الجميع، ومن تحت الطربوش كان يبدو ما تبقى من شعره المصبوغ بالحنّاء، وعلى وجهه الأبيض مثل رجال الإنجليز، بانت بقع جلدية تعلن اقتراب سن التقاعد، ولم يكن يستطيع إخفاءها.

كان يأتي إلى الضيعة مرة في العام، ومجيئه كان حدثاً غير مرحَّب به. فمن أين تأتي له الناس بالضرائب؟ وماذا تساوي كل هذه الحقول المهملة الجرداء؟ ألا يعرف أن السواعد التي كانت تحرث وتزرع وتحصد أصبحت الآن يداً عاملة في بوينس آيرس، والريو، وغابات المطاط في أفريقيا؟

يعرف. لكن هذه ليست مهمته. مهنته أن يعرف وأن يعود إلى الوزارة ومعه شيء ما للدولة، فهي أيضاً لها أبناء ويجب تدبير أرزاقهم.

كان يمر بين البيوت مستكشفاً ما يمكن ضبطه للجباية. ويبتسم للناس ابتسامته المذلّة الماكرة. يبتسم كأنه يهددهم: أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا.

وكان الناس يبتسمون له كمن يرسم تعويذة. مباراة غير معلنة في البحث عن شيء في ديار قلّت أشياؤها. لا شيء يا صاحب السعادة. ولكن هذا لا يمنع أن يتجمع أهل النخوة ويقيموا للضيف مأدبة ولا كل المآدب. وحتى خلال الغداء هم خائفون. ماذا لو أنه تغير فجأة وخلع طربوشه ورماه في الأرض صائحاً، لا يمكن أن أعود إلى أمكم الدولة خاوي اليدين! هل يصارحونه بالحقيقة: يا صاحب السعادة، هل أنت واثق من أن الدولة أُمٌّ صالحة، أم أنها مثل أُمّها، التي كانت مثل أُم أُمِّها؟

يقرأ الجميع ما يدور في النفوس، ويأكلون ويشربون نخب صاحب السعادة. وبينما هم يودّعونه ينتحي به «المختار» جانباً، كما فعل في الصيف الماضي، ويدس في جيب سترته شيئاً ما، معتذراً باسم الجميع، لأن المتوافر أقل بكثير من الواجب.

يبتسم صاحب السعادة، مثل الصيف الماضي وسائر الأصياف.

إلى اللقاء الصيف المقبل!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية تحصيل دار مفكرة القرية تحصيل دار



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon