بقلم:سمير عطا الله
عام 1956 شنت بريطانيا وفرنسا (ومعهما إسرائيل) الحرب على مصر لاتخاذها القرار المهين، بتأميم قناة السويس. سارع الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور إلى توجيه الإنذار إلى الثلاث بوقف القتال. تراجعت الإمبراطوريتان المتداعيتان على الفور.
كان ذلك أول إعلان رسمي عن نهاية العصر الإمبراطوري، وظهور، أو تكريس، القوة الأميركية ومعها في الجانب الآخر القوة السوفياتية. تبدو القوة الأميركية اليوم متراجعة كدولة عظمى، تماماً مثل بريطانيا وفرنسا تلك الأيام. وتبدو القوة الصينية المندفعة تماماً مثل أميركا تلك الأيام، خصوصاً بعدما قررت دخول الغمار السياسي للمرة الأولى.
النظام العالمي الجديد دخل دون إعلان. اتفاق بكين يشبه إلى حد بعيد اتفاقات يالطا وبوتسدام، وغيرها من معاهدات ما بعد الحرب، التي كرّست أفول قوى وظهور أخرى. كانت السعودية ترفض الاعتراف بالصين الشعبية (الشيوعية)، وأصبحت تمنح الزعيم الصيني صورة أهم احتفال له في الخارج، وتوقّع إلى جانبه اتفاقاً عُقد في بكين.
وفي هدوء وسرية مطلقيْن، خرج من بكين اتفاق توقعه إيران، ويؤذن بنهاية مرحلة طويلة من الاضطراب وعدم الاستقرار. مفاجأة شملت العالم أجمع، لكن المتفاجئ الأكبر كان الولايات المتحدة، التي أذهلها أن ترى المنافس الصيني، والخصم الإيراني، والصديق السعودي، يغيرون حال المنطقة ومزاجها السياسي، من دون دور لها.
للوهلة الأولى، وربما الثانية أيضاً، قد لا تكون واشنطن فرحة بما حدث؛ فإن غيابها عن مثل هذا المفترق التاريخي ليس بالأمر البسيط، لكن يمكن أيضاً النظر إليه من رؤية أخرى، وهي أنه قد يكون مدخلاً إلى مرحلة من الانفراج ينضم إليها الجميع. وقد تتأكد إيران أن الجوار المطمئن خير لها من جوار قلق تغرقه على الدوام في التوتر، بل قد تحدث المعجزة، وتأخذ بالمثالين السعودي والصيني كنموذج لاحترام السيادة، وتحقيق الرخاء والتطور معاً.
ثمة درب آخر أمام الجميع، درب المصالح المشتركة والمستقبل المشترك، والرفاه المشترك، والحضارات المتلاقية بدل المحاربة. ألا تكفي القرون التي عاشها الجميع في الخوف والتخلف والحروب، التي لا نهاية لها؟ لعلها مناسبة لعرض ما مضى وإلى ماذا أدّى. وإذا كان لا بد للعالم من سلوى الصواريخ الطائرة فإن لدى الرفيق كيم جون أون، ما يكفي للجميع. لكن الشعوب تريد أن تنام جيداً، وتعمل جيداً، وتهيئ لمستقبل جيد، وتترك الاستعراض ليوم العطلة.
قبل الاتفاق الثلاثي في بكين جاء الرئيس «شي» إلى الرياض، وجال فيها برفقة الأمير محمد، وما رآه لا يصدق مثل بكين. وليت العدوى تبلغ طهران.