توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بلاد الأعداد

  مصر اليوم -

بلاد الأعداد

بقلم :سمير عطا الله

لا أعرف إن كنت سوف أحب الصين ذات يوم؛ فأنا لا أحب الغموض في الحياة، فرداً أو جماعة أو أمّة. وكان الراحل الحبيب أمين الحافظ يعود من المؤتمرات البرلمانية في العالم، متذمراً من الوفد الصيني. يقول إن الزملاء الصينيين يضحكون، أو يرسمون ضحكة على مشداقيها، وهم يشكون من وجع الرأس، وإذ يسأل أحدهم: ما الذي يُضحك في الأمر؟ تكون الإجابة الأخرى وبصوت أعلى.
منذ فترة وأنا أقرأ في نهم كل ما أقع عليه من أخبار الصين، في التاريخ والأدب والإنسانيات. وأكثر مَن شوّقني إلى ذلك أستاذ بلجيكي يدعى ريمون بليس، إن لم أكن مخطئاً في الاسم. البلجيكيون قوم غريب، فهم لا يريدون العباقرة والكبار، لكنهم إذا فعلوا أعطوا الأفضل بينهم. مثل الفنان المؤهل روني ماغريت زفتي، أو جاك بريل، أو كبير كتّاب الروايات البوليسية منذ شارلوك هولمز، جورج سيمونوه.
في كل ما تقرأ يقفز أمامك شيء واحد: العدد. فإذا حدث زلزال كان عدد القتلى 660 ألفاً كما في القرن السادس عشر. وإذا قُمعت مظاهرة ذهب ضحيتها أربعون ألفاً من الناس. وإذا اتُّهم ماو تسي تونغ بالتسبب في قتل مجموعة من البشر كان العدد ستين مليوناً. وسبب ذلك أن الصين كانت دائماً البلد الأكثر تعداداً. يوم كان عدد سكان القرى نحو 3 مليارات كان عدد الصينيين 100 مليون. ولو لم يحدد ماو تسي تونغ عدد المواليد لما عرف أحد منّا كم يكون عدد الصينيين اليوم. وهذا المجموع الأسطوري جعل من الصين موضع المخيّلات الأسطورية هي أيضاً. وقد تنبأ راهب يوناني معروف بالتنجيم، أن الصين سوف تغزو الغرب بـ200 مليون مقاتل هذا القرن. ويعيش الراهب المذكور ناسكاً في جبال آثوث منذ سنوات طويلة. ولعل هذه العزلة جعلت معرفته بالأرقام مثل معرفتي. حتى أنا أستطيع أن أدرك أن نقل 200 مليون صيني بالطائرات والسفن والقطارات والعربات التي تجرها الخيل، والعربات الصينية التقليدية التي تجرها الثيران، وغواصات السلاح البحري الصيني وهوادج الجمال المستعارة من الشقيقة منغوليا المعروقة بمَزاين الإبل... كل هذه الوسائل لا تستطيع أن تنقل نبوءة الراهب –أو سواه– خلال مرحلة معقولة، إذا أخذنا في الحسبان الأسلحة والأعتدة والمؤن.
من الأرقام أو الأعداد أيضاً أن الحرب الأهلية التي شملت جزءاً من الصين أواسط وأواخر القرن التاسع عشر تركت عشرين إلى ثلاثين مليون قتيل. وليس مهماً على الإطلاق أن يكون رقم عشرة ملايين دقيقاً أو مُثبتاً. وفيما عُرفت بـ«حرب الأفيون» كان هناك ملايين المدمنين. وكتب الإمبراطور إلى الملكة فيكتوريا رسالة يطلب منها أن توقف إغراق بلده بالمخدّر، قائلاً لها: «لو لم تكوني تعرفين مدى ضرر هذه الآفة لما أقدمتِ على منعها في بريطانيا». في نهاية القرن الثامن عشر كان عدد الصينيين قد زاد على 300 مليون، وجعل اقتصادها الأكبر في العالم. ومن النساء وحدهنَّ كان لها أربعة آلاف شاعرة. وصارت شانغ هاي أكبر مدينة متعددة الأعراق والتجارات على وجه الأرض. وهي الآن ثالث مركز مالي في العالم، وسادس مدينة من حيث عدد أصحاب المليارات، وفيها أكبر شبكة أنفاق على الكوكب الأزرق، وقد سمّاها البعض «معرض المعجزة الصينية». وهي تتمتع بأعلى دخل سياحي بين جميع المدن. والثانية بين أبراج العالم، تتقدمها فقط دبي. إلى آخره... إلى آخره... إلى آخره.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بلاد الأعداد بلاد الأعداد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon