توقيت القاهرة المحلي 16:02:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مفكرة القرية: متمادي تخصيب

  مصر اليوم -

مفكرة القرية متمادي تخصيب

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

في المفكرة الماضية روينا لجنابكم، من دون الشكوى إلا لله، كيف تأخر علينا الشتاء هذا العام وتفاقم شح الأمطار، وكيف أننا واقفون على مسافة خاطفة من الجفاف. والجفاف رعب القرى وخلل الفصول وحركة الحياة. وعندما يطول الاختلال وتقسو الطبيعة يصلّي الناس ويتضرعون أنْ ربنا ارحمنا ولا تتركنا إلى غفلها، وهبْنا من لدنك نعمة الخصب.
ويقول ظريف القرية ومدوّن تواريخها إننا على الأرجح أكثرْنا من النق، بحيث تحركت جميع وسائل الشتاء مرة واحدة: صهاريج الأمطار، وشاحنات الثلج، وعربات الجليد، وكهرباء البرق ومدافع الرعد وجيوش الزمهرير. ولا كلل. صف طويل من العواصف، ولا توقُّف. وسحب سوداء كثيفة مثقلة بنفسها، ترمي غيومها وتحمل أخرى، وتحجب الشمس والضوء وبهجات النهار. وتمد عتم الليل من الصبح. وتبلبل مواعيد الغروب وتخلط مواعيد الحياة.
وكلما حاولت فتح النافذة بحثاً عن لمحة من الصحو، لفحتني رياح الغضب مهددةً بالمزيد والأقسى. نسيَنا الشتاءُ طويلاً ثم تذكَّرَنا مرة واحدة. وامتلأت به الدروب وسدّ علينا الطرق وحوّل كل حفرة إلى بحيرة وكل منحنى إلى شلال وكل شجرة إلى صوت ساحرة في نعيق وخوف.
لكن خلف الجدران وحول المواقد تُحوّل الناس الخوف إلى صلابة، والفزع إلى جمود. والبيوت التي كنت تخشى أن يزعزع السيل أسسها، تصمد، وتتمسك بالأرض، عاصفةً بعد أخرى وهديراً في أثر هدير. ولا شك أن ظريف القرية ومعه أهل الورع يطلبون الرحمة والرأفة في أنهم لم يكونوا يطلبون كل هذا الفيضان من المطر والعصف وقوافل الثلج ومستوطنات الجليد التي لا تني تلمع صقيعاً ولؤلؤاً كاذباً.
كان الخوف من ألاّ يطل، وصار الرعب أن يطول. وكان الخوف من ألا يهل، فصار من ألا يغيب. وإذا ما تمادى هكذا وأصرّ، فسوف يبيد الزرع ويقتل البراعم في الشجر وينشر اليباس ولا يعيش له اخضرار سوى البري والشوكي وكثير الشوك من النبات.
يتذمر أهالي القرى، لكنهم يخافون من خطيئة التذمر، فيستدركون. ولقد تضرعوا طويلاً من أجل شيء من المطر، فماذا يفعلون في هذا المأزق الآن؟ يصلّون من أجل شيء من الجفاف؟ ثمة أعوام متفلتة وهذا منها. شذوذ يعلّمنا أهمية القاعدة. جنون يعلّمنا أهمية التعقل. وطارئ يعلّمنا أهمية التحسب.
وفوق كل شيء، درس الجماعة وأن الله معها. ففي هذا الحصار المطبق والطويل، لا يعود في إمكان الفرد منفرداً أن يفعل أي شيء. تصبح القرية يداً واحدة في جرف الثلوج وفي تنظيف القنوات، وفي إقامة السدود الصغيرة بالحجارة. تحت الأمطار الهاطلة وفي صقيع لئيم، يجتمعون إلى فرقة واحدة تخفف من أضرار الطوفان والهبوب الكاسر. ومن بعيد يأتي حزيناً ويائساً ومستجدياً، صوتُ عواء الثعالب الجائعة وأطفالها. ويتردد صدى العواء في الوديان. لقد طال الشتاء على الناس والحيوان والنبات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية متمادي تخصيب مفكرة القرية متمادي تخصيب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية
  مصر اليوم - ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon