توقيت القاهرة المحلي 03:55:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كبير الجلادين

  مصر اليوم -

كبير الجلادين

بقلم:سمير عطا الله

آخر ما قرأت من كشوفات عن عذابات العهد السوري السابق، كانت الروايات المريعة في اللقاءات التي أجراها الزميل رئيس التحرير مع مدوِّن الوثائق الرهيبة، الذي أعطى نفسه الاسم المستعار «سامي». بعد انتهاء الحلقات، اتخذت قراراً، لا أدري إن كان شجاعاً أم جباناً، هو أنني لن أقرأ بعد الآن أي شيء عن مظاهر الوحشية التي أُغرقت فيها سوريا طوال نصف قرن أو أكثر. فما قرأته من سادِيّاتٍ لا تُصدَّق يكفي 20 رجلاً و20 عقداً، ولعل في هذا ظلماً للضحايا وأهاليهم، ولسوريا نفسها، ولكنني أعترف بأنني لا أقوى على احتمال تصور البشر وهم على هذه الصورة.

يقول المدوّن «سامي» إن العقاب الأكبر يجب ألا يُنزَل بكبار الضباط؛ وإنما بصغار الجلادين الذين يبالغون في تنفيذ الأوامر، ويخترعون أسوأ أنواع التعذيب، ويرتكبون أفظع أنواع الجرائم، بحجة أنهم ينفذون أوامر لا دخل لهم فيها.

عذراً مما قد يبدو تباهياً أو افتخاراً وسط غابات الموت وأدغال الجراح، لكنني منذ سنوات طويلة وأنا أكتب في هذه الزاوية أن المجرم الأكبر في حقل القتل والتعذيب العربي، هو الجلاد الصغير. فهو الذي يقبل ويرتضي، وأحياناً يتحمّس، أن يكون أسوأ أدوات القتل البطيء والجريمة الجماعية. وفي نهاية كل يوم يعود إلى منزله هانئاً سعيداً ليتناول العشاء مع أطفاله، وربما ليروي لهم أيضاً، بكثير من المفاخرة، والتلذذ، عن بطولات ذلك النهار في سبيل أسياده ومعلميه. والأرجح أنه كان هناك سباق دائم بين الجلاوزة والقتلة المكلفين بشأن مَن يجيد أكثر من غيره طرق العذاب وهدر الكرامة البشرية، وخلط الدماء بالعظام. وربما يكون صاحبنا الأكبر يستعيد الآن في منفاه صور ما كان يأمر به.

مرّت ألمانيا ودول أوروبية أخرى بمثل ما نمرّ به الآن. ناس تُحمّل الأبرياء والمرتكِبين المسؤوليةَ نفسها. وأصبح اسم ألمانيا رديفاً لـ«الفراعات» التي لا يتصورها أحد. غير أن عدداً كبيراً من «الألمان»، أو الفرنسيين، أو السوفيات، كان بين الضحايا؛ ولذلك أُنشئت محاكم دولية خاصة، مثل محكمة نورمبورغ، يقاضَى أمامها المذنبون، ويبرَّئ فيها الأبرياء. ربما أفضل ما تفعله سوريا الجديدة الآن هي إقامة محاكم مشابهة، يُفرَز خلالها مَن أساء إلى الدولة والوطن والشعب، ومَن يمكن أن يكون له عذر شرعي في هذا الظلام الكبير. لكن حقيقة واحدة تبقى بغير حاجة إلى تأكيد، أو إلى إعادة تأكيد، هي أن المجرم الأكبر هو الجلاد الأصغر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كبير الجلادين كبير الجلادين



GMT 19:51 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الموازنة والـمئة دولار !

GMT 09:00 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 08:25 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 08:24 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

GMT 08:23 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحاديث الأكلات والذكريات

GMT 08:21 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 08:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

جرعة تفاؤل!

GMT 08:18 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

لا يطمئن السوريّين إلّا... وطنيّتهم السوريّة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon