توقيت القاهرة المحلي 20:16:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غابة الأحزان

  مصر اليوم -

غابة الأحزان

بقلم - سمير عطا الله

يشغل الزميل والمفكر محمد السمّاك مكاناً ومكانةً بارزين في «حوار الحضارات». ويؤدي في لبنان دوراً عالياً في تقريب التباعد، وتحصين الجسور. ومن جملة انهماكاته، المساهمات الثقافية في مؤسسة «المقاصد الإسلامية»، إحدى أعرق الجمعيات في لبنان. وقد عادت «المقاصد» إلى دورها في عالم النشر التعليمي. وأصدر السماك مجلدين ثمينين تحت عنوان «من بدائع المؤلفات العالمية: ستون كتاباً في كتاب»، أعتقد أنهما من أفضل الدروس الفكرية وأوسعها شمولاً.

يصعب عليك تماماً أن تنتقي الفصل الأكثر أهمية أو إثارة. إليك هذا النموذج من كتاب «غابة الأحزان في الكونغو».

أول صدمة معرفية يقدمها المؤلف تتمثل في تأكيده الموثَّق للحقيقة التالية:

وهي أنه في أواخر القرن التاسع عشر، قتل ملايين من الأفريقيين في الكونغو وحدها، أي ما يعادل في ذلك الوقت نصف عدد السكان، أثناء إجبارهم على العمل على جمع المطاط من الغابات الاستوائية. وعلى جمع العاج من أنياب الفيلة التي كانت تقتل جماعياً.

كان ملك بلجيكا ليوبولد الثاني «يملك» الكونغو بكل ما فيها، ومن عليها، في نهاية القرن التاسع عشر، لم يكن المالك يعدُّ الأفريقي إنساناً «سوياً». ولذلك، سخّره للخدمة.

ويقول المؤلف إن العامل الأفريقي في الغابات كان يمرض ويتضور جوعاً، إلا أن تكاليف معالجته كانت أكثر من تكاليف استبدال عامل آخر به. ولذلك كان العمال الأفارقة يموتون يومياً بالعشرات... وكانوا يُستبدلون بغيرهم بالمئات.

لم تتحمل بلجيكا الأعباء المعنوية لتلك الفضائح الإنسانية. ففي عام 1908 بادرت الدولة، كما يقول المؤلف، إلى سحب الكونغو من ملكية الملك وحوَّلته إلى مستعمرة بلجيكية. وبموجب ذلك، بدّلت من طبيعته البعثات التي كانت ترسلها إلى هناك. إلا أن تمثال الملك ليوبولد بقي منتصباً أمام القصر الملكي في بروكسل، وللتعبير عن خجل البلجيكيين من تاريخه اللا إنساني، استهدفوا التمثال مراراً وتكراراً بالتشويه وبتعليق الشعارات المسيئة إليه.

لا يعني ذلك أن الإنسان في الكونغو أصبح حراً. فقد استمر الاستعباد. ولكن بوحشية أقل، كما يقول المؤلف، وهو مؤرخ أميركي متخصص بالتاريخ الأفريقي. فالكونغو أكبر وأغنى دولة في أفريقيا. انقسم إلى قسمين: الأول كان يملكه الملك ليوبولد، ثم الدولة البلجيكية، وهو ما يُعرف اليوم باسم جمهورية الكونغو الديموقراطية، والثاني كان خاضعاً لفرنسا وهو ما يُعرف اليوم باسم جمهورية الكونغو. لا يتحدث الكتاب عن تاريخ الكونغو بقسميه، لكنه يتحدث عن المأساة التي تعرّض لها الإنسان الأفريقي في الكونغو. فالتهافت على ثرواته الطبيعية، كان ولا يزال، صراعاً دموياً يدفع الأفارقة الكونغوليين ثمنه من أرواحهم... وحتى اليوم.

يخصص المؤلف فصلاً كاملاً من الكتاب الحديث عن بناء خط سكة الحديد، الذي يربط وسط أفريقيا - الكونغو بالمحيط الأطلسي. ويقول إنه أثناء تلك العملية كان العمّال يمرضون إما بسبب الإنهاك والتعب الشديدين، أو بسبب إصابتهم بالأمراض. ويقول أيضاً إن المسؤولين لم يهتموا بحماية العمّال أو بمعالجة المرضى منهم، لكنهم كانوا يتخلّون عنهم ويحملون غيرهم على متابعة العمل الشاق. فالاستبدال كان أسهل، وغير مكلف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غابة الأحزان غابة الأحزان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 23:00 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قواعد الإتيكيت الخاصة بشراء الملابس

GMT 12:07 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الجبلاية تستقر على خصم 6 نقاط من الزمالك

GMT 17:18 2021 الخميس ,26 آب / أغسطس

أشهر مميزات وعيوب مواليد برج العذراء

GMT 23:49 2020 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

ملخص وأهداف مباراة الزمالك والمقاولون العرب في الدوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon