توقيت القاهرة المحلي 20:30:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الثرثار الرائع

  مصر اليوم -

الثرثار الرائع

بقلم:سمير عطا الله

وسط هذه الفوضى الكونية العارمة، عاد الكثير من الزملاء إلى ينابيع الأدب والروايات، بحثاً عن الشواهد والمشابهات.

أكثرهم استعاد، كما هو متوقَّع: «مائة عام من العزلة»، لغبريال غارسيا ماركيز. وعثروا فيما عثروا، على نوع من القربى بين آل بونديو في كولومبيا وآل الأسد في سوريا. وأعتقد أن في ذلك نوعاً من التأثر العاطفي والإعجاب البالغ بساحر الرواية اللاتينية. غير أن ذلك لم يمنعني من العودة إلى نصوص «غابو» واكتشفتُ، للمرة الأولى وأنا أعيد قراءة مذكراته: «عشتُ لأروي»، أن الرجل لم يكن أحد عظماء الرواية على مرّ التاريخ، وإنما كان، في الحقيقة، حكواتيّاً، ثرثاراً مكثاراً، مهذاراً لا يمكن لأحد أن يوقفه عن الكلام.

كان الأجدر بقارئي ماركيز أن يبدأوا بمذكراته بدلاً من روائعه. عندها يدركون أنه لم يترك شاردة أو واردة، أو ابتسامة، أو حكاية، أو قطاراً صاعداً في جبال الأنديز، أو قطاراً فارغاً في محطة ناعسة، أو مسافراً وحيداً في محطة نائمة، أو رجلاً يعزف الموسيقى على الطريق، أو كيف حاولت أمه أن تبيع المنزل الوحيد الذي تملكه العائلة. ولم ينسَ أن يخبرك أنه الابن الحادي عشر لأبٍ يعمل مديراً لمحطة البريد في المدينة، ثم هناك خالته أو عمّته، والنزاع بينه وبين والده حول ضرورة الحصول على شهادة جامعية.

كل ذلك ولم نصل بعد إلى بداية عمله في الصحافة، حيث يبدأ، حائز نوبل فيما بعد، الكتابة في صحيفة يومية نحو ثماني ساعات في النهار بأجرٍ لا يكفيه ثمن الطعام وأجرة الانتقال إلى المبنى. لذلك كان الحل الوحيد أن يقترض، ولكن ممن؟ جميع مَن حوله زملاء وأقرباء فقراء مثله، والده يقترض بدوره لكي يؤمّن تعليم إخوته، لأن الأب يؤمن بأن لا سلاح في الحياة أكثر ضمانة من الشهادة الجامعية، وكان يشعر بمرارة وألم، لأن «غابو» منصرف إلى مهمة الفقراء والبائسين من حملة الأقلام والأحلام.

تبدو مذكرات ماركيز وكأنها دليل عبر رحلة جميلة ومعقدة في حياته وفي أعماله. ويخبرنا الرجل الذي اعتقدناه بوهيميّاً لأنه كان يفضل حياة التشرد، أنه في الحقيقة كان يعتني بالنص، وكأنه فرض مدرسي، كما يخبرنا بأنه لم يقرأ يوماً أيّاً من الكتّاب الذين تأثر بهم، إلا لأجل أن يتعلم منهم، وليس من أجل أن يمتّع النفس بالأسلوب، أو التجلي، أو الحبكة الدرامية. ويبدو أن أستاذه الأول كان ويليام فوكنير كاتب الجنوب الأميركي وأساطيره الشعبية، وخرافاته، ومآسيه التي لا حدود لها.

لا تقرأ مذكرات ماركيز إذا كنتَ قد قرأتَ أعماله. إنها مجرد إضافات سردية خالية، بسبب واقعيتها من روعة السحر، والبديع، التي تميّز الرواية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثرثار الرائع الثرثار الرائع



GMT 20:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 20:29 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

المؤثرون فى سوريا ومصالحهم

GMT 20:28 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

شراسة بلوزداد بعد مباراة القاهرة!

GMT 13:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

لماذا نظرية التطور مهمة؟

GMT 13:38 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

لماذا يتفوق العلم؟

GMT 13:35 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

لا تنسوا 420 مليونًا عند “الكردي”

GMT 08:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 07:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 17:09 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 10:39 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

أبوظبي وجهة مثالية لقضاء العطلة في موسم الشتاء الدافئ

GMT 10:52 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

GMT 10:26 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

نصائح يجب اتباعها عند شراء السجاد

GMT 10:33 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات تمنح منزلك الدفء وتجعله أكثر راحة

GMT 22:10 2024 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

طبيب يوضح طرق التعامل مع فقدان الطاقة

GMT 09:21 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الترجي التونسي يعلن تعاقده مع يوسف البلايلي

GMT 05:19 2018 الثلاثاء ,12 حزيران / يونيو

استقرار الدولار في البنوك المصرية الثلاثاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon