بقلم :سمير عطا الله
آخر الأحداث الكبرى هذا العام، كان من دون شك، التحول المذهل في أفغانستان، ومن ثم إعلان السيد أمر الله صالح نائب الرئيس أشرف غني أنه (أي أمر الله صالح) لا يزال الرئيس الشرعي للبلاد. بالتوفيق. فهي مهمة غير سهلة. تكثر في الحالات القصوى، القصص التي تختلط فيها المأساة المبكية بالمهزلة المضحكة، ولنسمها، للاختصار؛ «المأزلة» دمجاً بين حالتين متناقضتين.
وشهد العام الراهن أحداثاً عدّة، بعضها عادي روتيني، مثل انتخابات الرئاسة في أميركا، وقانون التمديد لفلاديمير بوتين حتى العام 2036 (ابتداءً من هذا العام، وليس منذ توليه في 7 مايو - أيار 2000). وبدأ خروج بريطانيا من ضلعها الأوروبي، ووقع في مرفأ بيروت ثالث أكبر انفجار غير نووي في التاريخ، وأعلن البنك الدولي أن ثلث اللبنانيين ينامون بلا عشاء، وأن لبنان يشهد ثالث أسوأ أزمة اقتصادية في العالم منذ القرن التاسع عشر.
الحدث الأكثر أهمية في التاريخ قد يحدث فيما تقرأ جنابك هذه السطور (وسَّع الله عليك) ويخرج الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من قصر بعبدا ليعلن أنه اتفق مع رئيس الجمهورية، على وزراء الداخلية والشؤون والبلديات وشؤون الرئاسة والزراعة.
أما كيف استطاع نجيب ميقاتي أن يقنع رئيس الدولة وحامي دستورها بأن الوقت قد حان لأن يرى لبنان حكومة تمثل طموحاته (الرئيس) وحرصه (الرئيس) على الميثاقية، فأمر يعود على الأرجح إلى ما عرف عن الرئيس الميقاتي من البال الطويل والصبر الجميل.
سوف تسأل نفسك؛ كيف يعقل لبلد فَقَدَ كل عناصر الحياة الطبيعية، أن يستدعي رئيسه، أكثر من 30 مرة، الرؤساء المكلّفين، من دون الاتفاق معهم على تشكيل حكومة؟ أين يا ترى العلّة، أو مجموعة العلل، التي حالت دون ذلك؟ وهل يحتمل وطن، أو دولة أو شعب مثل لبنان، وهو ينوء بأثقل أحماله ومآسيه التاريخية، 30 زيارة من الرئيس المكلّف إلى الرئيس المحلّف، بحثاً عن حقيبة أو حقيبتين ونصف حقيبة؟!
فيما البحث جارٍ في بعبدا أعدّ سراً أهم حدث في آسيا منذ انتقال الصين إلى الحكم الشيوعي. وانقسام الهند، ثم انقسام باكستان. وما زال الرؤساء المكلفون «يستدعون» (بالحرف، كما حدث غير مرة) إلى القصر الجمهوري للبحث في حقيبة أو حقيبتين. سيادية وعادية، حكومة تليق بالإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد، في بلد لم يبقَ فيه شبر لم يقصفه الفساد والفاسدون.
هل هذه «المأزلة» مسؤولية رئيس الجمهورية؟ أبداً. إنها مسؤولية الرؤساء المكلفين، الذين يقبلون على أنفسهم ويرتضون لمن يمثلون، ولموقع الكرسي الذي يشغلونه، الذهاب إلى القصر الجمهوري أكثر من 3 مرات للبحث في موضوعات لا قيمة لها. ليست مرونة أن يُستدعى الرئيس المكلف 20 مرة إلى لدن رئيس الجمهورية، خلافاً لكل دستور وميثاق، بل هي قبول بإهانة شخصية ووطنية. ولا شيء يساوي الكرامة، فردية أو جماعية. وإذا لم يستطع رئيسا الجمهورية والحكومة الاتفاق في اجتماعين أو 3 اجتماعات (عمرها ما كانت). ثمة وطن أغلى كثيراً من اللعب السقيم بحياة الشعوب.