توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مفكرة القرية: فليذهب حرف اللام إلى الجحيم

  مصر اليوم -

مفكرة القرية فليذهب حرف اللام إلى الجحيم

بقلم - سمير عطا الله

لم تكن عبارة «الزمن الجميل» معروفة من قبل. إنها استعارة حديثة نسبياً من المصطلح الفرنسي «الحقبة الجميلة»، أي فترة ما بين الحربين التي ازدهرت خلالها الفنون والآداب والحريات، وطلبَ الإنسان السعادة والفرح بعدما نشرت الحرب الأولى المجاعات والموت والدمار والتوحش.
قبل ذلك كان «الزمن الجميل» يعرَف بالأيام الخوالي. أو «بتلك الأيام». أو «على أيامنا». وقد تردد ذلك عبر العصور، حيث كان كل ماض جميلاً. تجده عند القوال شكسبير وعند الحكّاء الرهيب دوستويفسكي وعند جدي الحبيب، تامر شاكر.
كانت ذاكرته تبلغ ذروة الاستعادة حول الموقدة الخاملة في الشتاء، وقد علا ضوء القنديل ما أمكنه، وبقي العتم في الزوايا وتربع السكون مثلنا، حول الموقد، جدي وجدتي وأنا، جمهوره ومستمعه، في رفقة الكروم وجولة الرزقات في النهار، وفي مغالبة نعاس الليل بالحكايات عن «هيديك الأيام»، أي يوم كان جدي شاباً، وكذلك هذه الشاهدة على ما يقول، تؤكد كلامه بين وقت وآخر، مثل لازمة موسيقية رتيبة الأوتار.
وفي «هيديك الأيام» يبدو أن الأشياء كانت متشابهة عند جدي وجد دوستويفسكي وجد الجاحظ. كل شيء كان أجمل. الليالي كان بدرها أسطع، والنهارات كانت شموسها أخف حرارة، والتفاح كان طعمه أطيب، والجيران أكثر مودّة. وتتدخل جدتي بالشهادة المساندة: «وكان كيس الطحين بنصف ليرة». وكان بين جدتي وبين حرف اللام عداء مثل عداء اليابانيين مع الحرف الزئبقي، فتقول «نصف ريلة».
ويخطر لي أن أصحح لها بعض مقاطع الكلام ومواقع أحرف العلّة كما يلقّننا إياها المعلم «رفول» حول موقدة المدرسة، لكنني أتهيّب الخطوة، خوف أن أجرح وقار جدتي وهدوءها. وليذهب حرف اللام إلى الجحيم. ولو كان الأمر مهماً لفعل جدي ذلك. فهو، على ما يبدو، ملم باللغة وخصوصاً بلام «الريلة»؛ لأنه يحفظ لامية ابن الوردي، لاما لاماً، بمعنى حرفاً حرفاً، أو قافية قافية. ونحن في الكروم يكرر قصيدته المفضلة هذه من أجل أن يكرر رأيه في شعر هذه الأيام مقابل شعر تلك الأيام.
كلما ترمد حطب الموقدة، قامت جدتي إلى الغرفة المجاورة وأتت بالمزيد. لكن القليل منه. فهي مدبرة الإدارة. والشتاء غدّار هذه الأيام وليس كما كان في أيامها. لا تعرف متى يبدأ ولا متى ينتهي. ولا بد من التحسب. والناس في القرية تعيش على مؤونتها. وغرفة المؤونة هي الخزنة الملكية في جميع البيوت. وكم بيتاً هي «جميع» البيوت هذه؟ ثلاثون؟ أربعون؟ وفي الليالي غير المقمرة لم تكن ترى أنوارها الشحيحة. الكهرباء لم تصل بعد. ومع ذلك يترحم جدي على تلك الأيام، كما ترحم دوستويفسكي على أوائل القرن التاسع عشر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية فليذهب حرف اللام إلى الجحيم مفكرة القرية فليذهب حرف اللام إلى الجحيم



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر

GMT 20:11 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم توم كروز بأعلى وسام مدني من البحرية الأميركية

GMT 09:56 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 12:18 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

الروح والحب والإخلاص " ربنا يسعدكم "

GMT 23:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 18:11 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

3 تحديات تنتظر الزمالك قبل غلق الميركاتو الصيفي

GMT 07:33 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"سيسيه يؤكد رفضت عروضا من أجل البقاء مع "الاتحاد

GMT 05:59 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

محمد النني يقترب من الدوري السعودي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon