توقيت القاهرة المحلي 14:11:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مدن الصيف: فسحة مش لطيفة خالص

  مصر اليوم -

مدن الصيف فسحة مش لطيفة خالص

بقلم : سمير عطا الله

كان لا يزال زمن الطائرات غير النفاثة. أي ذات المحركات. وكانت بطيئة وآمنة وأهلها طيبون. وفي كل الحالات، كانت الطائرة الوحيدة العاملة على خطوط الرحلات القصيرة في المنطقة، بينما تفرد النفاثات الحديثة للرحلات الدولية.

تنقلت في ذات المحركات لبضع سنين في طمأنينة والحمد لله. وكان الطيران عندنا لا يزال نوعاً من الجرأة، خصوصاً الكثير منه. وكان البعض ممن لم يعرفوا الطيران ويتذوقوه في حياتهم، يشيدون بالمسافر المقدام.

ذات يوم كنت في رحلة بين مدينة عربية وأخرى. وكان إلى جانبي مقيم من مصر عائد إلى بلد الهجرة. كان يتحدث في حماسة ومحبة عن كل شيء في مغتربه: الناس والشغل والأصحاب. وكنت أحاول، دون جدوى، أن أتابع قراءة الكتاب الذي أحمله.

عندما وصلنا أجواء المدينة، تطلع من النافذة وقال في ابتهاج: انظر. انظر الحلاوة ديّة. يا سلام. تظاهرت بأنني أنظر ثم أكملت القراءة. وبعد قليل تطلع من النافذة مرة أخرى متفقداً مسار الرحلة، ثم قال «شكله بيلف عشان الهبوط». غير أن الطيار استمر في اللف دون أن يهبط. ثم خاطبنا قائلاً: إن زحمة الرحلات سوف تؤخر هبوطنا قليلاً. غير أننا شعرنا –جميعاً– بالخوف. جميعنا نعرف أننا الطائرة الوحيدة ذلك العصر.

تململ جاري وهو يضع رأسه في زجاج النافذة. ثم «لكعني» بكوعه الأيسر صائحاً: وبعدين بقا. دي فسحة مش لطيفة خالص. وكان يوجه الكلام إليّ وكأنني القبطان أو برج المراقبة:

عاد الطيار يخاطبنا، هذه المرة في شجاعة أكثر: فلنتكل جميعاً على الله. سوف نقوم بهبوط اضطراري على الرمل. لا تخافوا. اتخذ المطار جميع الإجراءات اللازمة.

علت أصوات التضرعات في وجوم، وعاد المضيفون إلى مقاعدهم بسرعة. وتمسك كل منا بكرسيه وشد قدميه إلى الأرض. وصمت جاري عن اعتراضه، بينما راحت الطائرة تزحف سريعة على الرمال، وتهتز اهتزازاً شديداً بين يدي القبطان الشجاع، وكأنها سوف تتناثر إلى قطع، ومقاعد، إلى أن توقفت بعدما جففها الكابتن من آخر نقطة كيروسين.

عندما ضغط الكابح الأخير، وهلل الركاب وكبَّروا، قال جاري على ألحان الحزن والفرح: «مراتي حامل، وإذا كان المولود ذكراً حَ نديه اسم ابن الحلال ده».

في الانتظار خارجاً كانت فرقة من رجال الإطفاء وشاحناتهم وخراطيمها. تقدموا من المسافرين يعانقونهم. وكان الطيار لا يزال على سفينته، يتفقدها مواسياً كأنها فرس خذلتها سيقانها النبيلة رغماً عنها.

إلى اللقاء...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مدن الصيف فسحة مش لطيفة خالص مدن الصيف فسحة مش لطيفة خالص



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:52 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية
  مصر اليوم - ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon