توقيت القاهرة المحلي 06:30:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مائة عام من الدهشة: أسير السرير

  مصر اليوم -

مائة عام من الدهشة أسير السرير

بقلم - سمير عطا الله

هذا حقاً هو أعظم انتصار له، لأن مارسيل بروست الشاب لم يكن يتمتع بجاذبية، وليس حسن المظهر، ولا أنيقاً أيضاً، كما أن أعماله الأدبية لم تحدد هويته الأدبية، ولهذا فإن مجلداً صغيراً بعنوان «أفراح الأيام»، ورغم مقدمة مهذبة كتبها أناتول فرانس، لم يكن له وزن ولا نجاح. ما جعله محبوباً هو كرمه فقط. كان يقدم لجميع النساء الزهور النادرة، ويغمر الجميع بالهدايا غير المتوقعة، ويسليهم.
اشتهر في فندق الريتز. بحفلاته الرائعة، وكان يعطي من المكافآت عشرة أضعاف ما كان يقدمه أصحاب الملايين الأميركيون، وما إن يدخل القاعة حتى ترتفع جميع القبعات احتراماً.
وكانت وسائل الترفيه الخاصة به باهظة الثمن بشكل خيالي، ومن المحلات التجارية المختلفة في المدينة.
في بعض الأحيان يزوره صديق، فيُصغي إليه بشغف عن كل خصوصيات المجتمع.
يحتضر، وهو لا يزال يتلمس كل هوائيات الفضول في العالم الضائع.
يزداد مرضه، وهذه القطعة الإنسانية المثقلة بالحمى، مارسيل بروست، تفشل وتزداد. وهنا، وأكثر من أي وقت مضى، يتسع المشروع العظيم، أو روايته، أو بالأحرى سلسلة من الروايات تحت ذلك العنوان.
بدأ العمل في عام 1905 وفي عام 1912 اعتبر بروست أنه قد اكتمل. من حيث الحجم يبدو أنه جاوز ثلاثة مجلدات، ولكن بسبب التوسع أثناء الطباعة، أصبح ما لا يقل عن عشرة.
لكنه ذُهِل عندما رفضها الناشرون لأن مارسيل بروست، الرجل الأربعيني، غير معروف، مجهول - بمعنى أدبي - وله سمعة سيئة.
ولكن، أخيراً، تم العثور على ناشر جديد وشجاع على استعداد لتحمل المخاطرة. مع مرور عامين آخرين، حل عام 1913 قبل ظهور المجلد الأول.
ثم جاءت الحرب الأولى، وظهر ما يقرب الخمسة مجلدات، بدأت فرنسا، ثم أوروبا، في الانتباه إلى هذا العمل الملحمي. لكن الشهرة التي نالت استحساناً عالياً مثل مارسيل بروست كانت لفترة طويلة مجرد جزء منهك، محموم، ظل مرتعشاً، رجلاً مريضاً، شظية مضطربة من الإنسانية، يجمع كل قوته فقط لكي يعيش طويلاً بما يكفي ليرى صدور عمله. في المساء لا يزال يجر نفسه إلى فندق الريتز، وهناك على طاولة طعام يصحح آخر المسودات. لأنه في المنزل، في السرير، يشعر نفسه بالفعل في قبره. هنا فقط حيث يرى مرة أخرى عالمه الأنيق المحبوب يلمع أمام عينيه، يشعر بالقوة القليلة الأخيرة، بينما في المنزل يسقط منهكاً، وأحياناً يهدئ نفسه بالمخدرات، وفي أحيان أخرى يحفز نفسه بالكافيين لإجراء محادثة قصيرة مع الأصدقاء، أو لمزيد من العمل. مرضه يتفاقم بسرعة، أسرع من أي وقت مضى، وراح يعمل بشغف أكثر من أي وقت سبق، الرجل الذي تباطأ لوقت طويل، يحاول الآن تجاوز الموت. لم يعد يرغب في رؤية الأطباء. لقد عذبوه طويلاً ولم يساعدوه أبداً. لذلك دافع عن نفسه بمفرده، وغاب في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1922.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مائة عام من الدهشة أسير السرير مائة عام من الدهشة أسير السرير



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon