توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يوم هرب جبار روسيا... الدخان الأخير

  مصر اليوم -

يوم هرب جبار روسيا الدخان الأخير

بقلم - سمير عطا الله

طيلة فترة نزاعه مع زوجته لم يقم بأي محاولة لتشويه سمعتها بالكلمات. لقد خضع قدر طاقته، بل فوق طاقته، لمطالبها، الأكثر سخافة أحياناً، وصبر على جميع أفعالها الغريبة، كالابتزاز والتهديد بالانتحار. لكن في صميم سلوكه هذا الذي كان يدهش، ويغضب أنصاره، طبيعة سيد نبيل عجوز، طبيعة إنسان رائع يعاني الهروب، كان فعل رجل مريض ضعيف، كان يحلم بالهرب منذ 25 سنة، لكنه لم يسمح لنفسه بذلك، عندما كان لديه ما يكفي من قوة.
لقد رحل كي يموت؟ تفسير قدمه البروفسور الشهير ف.ف.سنغيريف، قال في رسالة لزوجة تولستوي إن هروبه شكل معقد من الانتحار. سافر تولستوي في قطار في مقصورة من الدرجة الثانية. يتذكر ماكوفيتسكي القطار المزدحم والمختنق بدخان السجائر؛ كانت عربتنا الأسوأ والأشد ازدحاماً من عربات السكك الحديدية التي ركبتها أثناء سفري في أنحاء روسيا. انتقل تولستوي إلى المنصة الأمامية عندما شعر بالاختناق من انحباس الهواء والدخان. ما أدى إلى إصابته بنزلة صدرية. هذا السفر البطيء على الطرق الحديدة الروسية ساهم في موت «ليف نيقولايفتش».
حاولت صوفيا أندرييفنا الانتحار مرتين.
كان تولستوي ينجذب لحياة الرهبنة لدى زيارته أخته رئيسة الدير أكثر من الحياة المنزلية. وكان العجوز يجد الحياة في كوخ الفلاحين، وفي الدير، أو في فندق متواضع أكثر راحة، من الناحية النفسية، من الرفاهية بين جدران منزله. كان بحاجة للراحة ليس فقط من الأرستقراطية، بل من الديمقراطية المفرطة للحياة في مزرعته ياسنايا بولينا في المرحلة الأخيرة. وكان من زواره وقاصديه؛ مكسيم غوركي، وباحثون روحيون، وطوائف مضطهدة من قبل السلطات، وطلاب وعمال وموظفون، فتولستوي في أواخر حياته توقف عملياً عن الإبداع الأدبي. وكرّس نفسه بالكامل للأفكار. كان يحتاج إلى السكينة والعزلة.
إن ثورة 1905 - 1908 لم تسبب موجة من الانتفاضات المسلحة في العاصمتين (موسكو وبطرسبرغ) فقط، بل أيضاً فوضى فلاحية، وصفها أحدهم «بأعمال السطو». في ياسنايا بولينا. عانت عائلة زوجة تولستوي من الثورة، فقد قتل الثوار الاشتراكيون أخاها الصغير. كانت خائفة على مصير عائلتها، خاصة بعد ورود رسائل بقتل تولستوي.
قصة «الأب سيرغي» واحدة من أعمق مؤلفات تولستوي الشخصية. كتبها بعد فترة انقطاع طويلة (10 سنوات)، ونشرت بعد وفاته، وتعتبر بمنزلة وصيته. وقد تنبأ الأديب الروسي بأن الهروب إلى اللامكان، إلى الغموض، هو الخلاص. فالهرب من الحشد غير ممكن إلا بالانحلال في الحشد. كان لديه عدد من العادات المرتبطة بتطلعه إلى الحرية الشخصية والاستقلال، مثل شغفه بالسير على الأقدام.
محاولة صوفيا أندرييفنا إغراق نفسها مرتين في البحيرة القريبة بعد اكتشافها هروبه أحدث في نفس تولستوي انطباعاً قاسياً. «إذا كان هناك من يغرق فليست هي قط، بل أنا»، يشتكي في رسالته إلى ابنته المفضلة ساشا. فبعد مغادرته، وجدت الزوجة نفسها في عزلة و«الكل من حولها يعتبرها غير محقة». المنزل كله، بمن في ذلك ابنتها، كان إلى جانب الهارب البائس. كامرأة تعرضت للإساءة، وكإنسان تعرضت للإهانة. كان النزاع بينها وزوجها بسبب التركة والميراث. في مذكرات صوفيا الضخمة التي أصدرتها بعنوان «حياتي»، ثمة فصل عنوانه «الشهيد والشهيدة». من كان الضحية؟ هي المرأة العادية التي تم تعيينها لخدمة عبقري، أو هو العبقري المحكوم عليه بالعيش مع امرأة عادية!
إلى اللقاء...

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم هرب جبار روسيا الدخان الأخير يوم هرب جبار روسيا الدخان الأخير



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon