بقلم - سمير عطا الله
إنها مجرد مصادفة: أول ما يطالعك وأنت تدخل كوكب «إكسبو 2020»، الجناح الروسي، مبنياً بألوان العلم الهادئة. العلم «الجديد»، وليس علم المنجل والمطرقة الذي رفعه السوفيات سبعين عاماً. وفي هدوء مطلق تتتالى الأجنحة، لا عداء بينها ولا قتال ولا صواريخ تُشعل الأرض وتضيء السماء.
تغنّي فيروز: «القمر، بيضوي عَ الناس- والناس بيتقاتلوا». هنا تضاء وتضيء أعجب الأقمار الصناعية، ولا يتقاتل أحد. ملتقى للبشر في مستقبلهم، بكل ألوانهم وألوان المستقبل. «أرض الرجال» يسميها الفرنسيون. وساحات الإكسبو وجاداته مثل متنزه عالمي هي أيضاً. مئات القادمين والمشاركين والمبهرين والمنبهرين، والوفود، والجماعات. وهل تعرف ما أجملها وأحبها؟ وفود تلامذة وتلميذات المدارس، من أنحاء الإمارات، مع معلميهم ومعلماتهم، يشرحون لهم آفاق العالم الذي يعيشون فيه. الدهشة الكبرى يا مولاي. ومبروك لهم ما أُعطوا. آباؤهم كان عالمهم متقشفاً وآفاقه شحيحة. كانت بلادهم بلا طرقات ولا يعرف الكثيرون أين تقع. هل تعرف كم خطاً على «طريق الخيل» و«طريق الفي» اللتين تؤديان إلى المعرض؟ 16 خطاً في الاتجاهين. ولك أن تتخيل كيف كانت «طريق الخيل» أو «طريق الفي» عندما كانت الخيل وسيلة وحيدة والفيء رحمة.
يُعقد في هذا الكوكب الجميل الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء كل يوم اثنين. وبالمصادفة الجميلة أيضاً شاهدت رئيس المجلس قادماً إلى الاجتماع، فتقدمت للسلام عليه. ومع ربعه. ووزيره محمد القرقاوي، وما من بذلة عسكرية في المبنى، ولا حرس، ولا نظارات سوداء، ولا تدفيش، ولا رؤوس حامية... تحرسه محبة الناس، الرجل الذي في أربع سنوات بنى هذا الكوكب فوق فلاة من الرمل، وسوف تبقى بعد انتهاء إكسبو مدينة أخرى من مدن دبي، التي كانت إمارة صغيرة على الخور، وتضم اليوم أربعة ملايين نسمة، يشكّلون معرضاً دائماً للنموذج المتسع لجميع أنواع البشر وثقافاتهم وإبداعاتهم وتنافسهم في سباق نحو المستقبل.
لذلك، سلم إكسبو إلى وزير التسامح والتعايش الشيخ نهيان بن مبارك، وهو هنا كل يوم. وهذا اليوم أمضيناه كاملاً في رفقته، يقود بنا سيارة الغولف الكهربائية في الأنحاء، وتطلب منه جماعات التلامذة الصور التذكارية. وفرح في كل مكان. وكلما تقدم النهار ساعة كبرت حشود الناس. ولا شرطي ولا عسكري. بلى. فقط من أجل الدقة، كان اليوم يوم جمهورية بنين. وكانت هناك فرقة عسكرية تؤدي تحية العلم.