سمير عطا الله
بدأت السنة السادسة والأخيرة من عهد الرئيس ميشال عون، في أسوأ أزمة دبلوماسية، وسط مجموعة من أسوأ الأزمات الأخرى في تاريخ لبنان: أسوأ أزمة معيشية، أسوأ أزمة مالية، صحية، سياسية، تعليمية، حكومية، عمالية، إضافة إلى عجز «العهد» عن حل أفظع عملية سطو على أموال المودعين، لبنانيين وأجانب، وعجز حكوماته عن معالجة أسوأ نقص في الكهرباء والطاقة والوقود.
كان الرئيس عون قد وعد اللبنانيين بأنه سوف يسلم خلفه لبناناً أفضل. وكان يخطط لأن يكون الخلف صهره جبران باسيل. ويوم تسلم باسيل زعامة التيار العوني سجل لبنان أيضاً من السوابق التاريخية. ففي حركة منفرة ركع أمام عمه الجنرال قائلاً إنني أجدد لك! وبدل أن يعترض الجنرال على ما لا يجوز، دنيا وآخرة، ابتسم لواقعة السجود راضياً مرضياً.
بدأ باسيل مبكراً المشاركة في الرئاسة. صار يختار رؤساء الحكومات والوزراء والوزيرات. وصارت الحكومات تعقد اجتماعين، واحداً في السراي وواحداً في منزل باسيل. واتخذ هذا لنفسه مكتباً خاصاً في القصر الجمهوري وكأنه منزل العائلة. وتفرقت العائلة أيضاً.
لبنان هو البلد الوحيد الذي يضم «وزارة الخارجية والمغتربين». فالمُغتربون أضعاف المقيمين. وعبر مساعداتهم أنقذوا أهلهم وذويهم من المجاعة في كل الحروب، من 1914 إلى 1975 إلى الحروب القائمة حالياً بين أهل الدولة المتهالكة. وأعطيت وزارة الخارجية إلى جبران باسيل على أساس أنها الطريق إلى الرئاسة. وعين في العواصم الكبرى سفراء بمؤهل واحد: الولاء له. وراح يملأ الأرض مرحاً. لم يترك بلداً خالياً من المغتربين إلا زاره: لاس فيغاس، جنوب أفريقيا، جمهورية الدومينيك. ولم يرَ ضرورة لزيارة نصف مليون لبناني يعملون ويثرون في الخليج. ذات مرة وحيدة سافر إلى الكويت. وبعد يوم حافل عاد إلى الفندق وارتدى «شورت البرمودا» وخرج مع وفده إلى رياضة المشي. من يمارس هذا التقليد أيضاً: وزير خارجية أميركا، لكن بالسروال الرياضي وليس بالبرمودا. إنها عادات وزراء خارجية الدول الكبرى. وفي مناسبة أخرى تأخر عشر دقائق عن موعده مع وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون، مبرراً ذلك بضحكته الفاقعة، بزحمة السير في بيروت. وهو أيضاً الرجل الذي جعل أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، ينتظر أمام مكتبه ثلاثة أرباع الساعة. ولم يجد الوقت للقاء أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون.
كانت قوة الدبلوماسية اللبنانية تقوم على أمرين: نجاح المغتربين وألمعية الدبلوماسيين. ألغى جبران باسيل، الاثنين. وأساء بلا حدود إلى الأمانات التي أوكلها عمه إليه. والدروس التي أعطاها الوزير جورج قرداحي، في الإنسانية ومعاملة الناس واحترام خياراتهم والحرص على مستوى معيشتهم، هي مجرد استكمال لما أرساه جبران باسيل في علم العلاقات السياسية، ناهيك بالعلاقات الشخصية. بدل أن يعتذر قرداحي من مغتربي الخليج ودوله، يطلب «ضمانات» كي يستقيل. أمثولات جبران باسيل حفر لا يُنسى.