توقيت القاهرة المحلي 09:21:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بلا أفق

  مصر اليوم -

بلا أفق

بقلم - سمير عطا الله

بعد خروج فرنسا من الجزائر أوائل الستينات، ظلت تصدر في باريس لسنوات عدة صحيفة تدعى «مينوت» (الدقيقة). كانت «مينوت» في حجم تابلويد، غليظة الإخراج، ثقيلة الورق، بشعة الأسلوب، كريهة المحتوى. وكانت تمثل اليمين الفرنسي المتطرف، الشديد العنف والكثير الغباء.

كل صباح كان على شارل ديغول أن يطّلع على جميع صحف فرنسا، كرئيس للجمهورية. لكن زوجته كانت تترفّق به وتقوم قبله إلى مجموعة الصحف الصباحية، وترمي «مينوت» في الزبالة. تخيل يوماً يبدأ بقراءة «مينوت». من ذلك العنف اللفظي التافه والمتوتر كان يتولد عنف اجتماعي وسياسي وتخلف. لكن في مدينة «الثقافة والنور»، ظلت «مينوت» صحيفة هامشية لا تتمتع باحترام المحترمين. ثم انطفأت، وانطفأت معها مطبوعات أخرى من هذه الفئة، في اليسار وفي اليمين. وسادت صحف الوسط وما يسمّى، على الطريقة الفرنسية، اليسار الوسط، وتراجعت بصورة عامة ظواهر النزق، ومظاهر المرض النخبوي في الادعاءات والسفسطة. وفي ذروة تلك التفاهات، انتسب مثقف في حجم جان بول سارتر، إلى الماوية و«الثورة الثقافية» في الصين، التي كانت قضيتها الأولى تحطيم الرسوم والموسيقى الكلاسيكية، وذهب في سبيل ذلك مليونا قتيل. على الأقل.

على نحو ما، تساوى سارتر مع «مينوت» في الموقف من الطمأنينة البشرية والمستويات الثقافية. ولم يكن ثمة فارق يُذكر، بين اليمين الفائق الغباء واليسار الفائض التفاهة. ودفعت فرنسا، كما الصين، ثمن العبث والعنف والحقد والحريق الذي يرافق المظاهرات مثل الموسيقى الحماسية.

تشكل الهجرة قضية اجتماعية وسياسية شديدة الخطورة في كل أوروبا. وبدأت تتحول إلى مشكلة في دول مثل تونس وليبيا والأردن ولبنان. والحل بعيد. لكنه طال أو قرب، ليس بالعنف. ولا هو في الشارع.

ولم يعد جائزاً اليوم أن تنظر إلى قضايا الإنسان بعين واحدة. الحياة كل، وليست نصفاً. والعنف ليس حلاً. لم تعد القضايا أسود وأبيض، كما في العصور الاستعمارية. كل قضية يتداخل فيها عشرون قضية أخرى. كل مدينة لها ألف هوية، وعشرون لغة، وألف لون.

فرنسا مَثَل على العجز البشري في الانصهار. ماضٍ يرفض أن يغيب، ومستقبل يرفض أن يحضر. وتزداد المعضلة تعقيداً كلما ازدادت الفروقات الاجتماعية وتكاثرت مدن الصفيح. التعايش أسهل في الأحياء المرتاحة، والنقمة أقل لدى الفريقين: ابن البلد والآخر، المسمى عندنا الوافد، أو الغريب، أو النازح، أو اللاجئ، أو بكل بساطة «البدون». تتضخم المسألة فوق نطاق الحلول عندما يصبح جميع هؤلاء بلا أفق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بلا أفق بلا أفق



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 06:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان
  مصر اليوم - تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon