توقيت القاهرة المحلي 09:45:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شعب للطرب

  مصر اليوم -

شعب للطرب

بقلم - سمير عطا الله

تتسم شعوب العالم وقبائلهُ وأممهُ بصفاتٍ خلقيةٍ ترافقها مدى الدهور. يسافر الآيرلندي إلى الولايات المتحدة ويعيشُ ويموتُ ويترك أحفاداً خلف أحفاد ولا يزالُ يقال للحفيد الأخير إنه آيرلندي حتى لو بلغ الرئاسة مثل كيندي أو ريغان أو بايدن. ويقال لمستشار الأمن القومي إنه بولندي مع أنه مؤتمن على قرار الحرب والسلم. وفي فرنسا أو بريطانيا أو بلجيكا، تلاحق أهل الأقاليم والمقاطعات صفاتٍ لا تتغير مع الزمن. ويصرّ الكندي في مقاطعة كيبيك على أنه فرنسي رغم كونه قد ولد منذ عشرات العقود في صقيع كندا وأفكار البلاد الجليدية، التي كان الفرنسيون أول من وصلوا إليها.

أكثر الشعوب تميزاً عن سواهم، أصدقاؤنا وجيراننا الإيطاليون. إنهم شعبٌ يحب الغناء «ويجيدهُ» والشعر والرقص وهجاء الفرنسيين. لذلك يكره الحرب والعمل والجهد، ويعشق المقاهي والثرثرة إلى ما بعد منتصف الليل. والثابت حتى الآن أن إيطاليا لم تربح حرباً واحدة، وأن الإيطالي لم يكسب معركةً إلا إذا كانت ضدّ إيطاليٍ آخر. لكن كيف يدبرُ أموره بين الأمم في هذه الحال؟ الأمر بسيط جداً. فهو ماهرٌ في الاستفادة من حروب الآخرين وتحويلها إلى مكسب لهُ. هكذا مثلا ترك الألمان يقاتلون وراح ينسب الأرباح إلى نفسه. وقال مفكرهُ الساخر الشهير ميكيافيلي إن غريبالدي ربح حرب التوحيد لأنه لم يكن في مواجهته سوى الإيطاليين. وقد روى هذا أن كاردينال مدينة روان الفرنسيّة قال له ذات يوم إن الإيطاليين لا يملكون موهبة الحرب، فأجابه بكل بساطة: والفرنسيون لا يملكون موهبة السياسة. يضيف ميكيافيلي قبل أربعة قرون «في جميع الحروب التي وقعت في السنوات العشرين الأخيرة، كل جيشٍ كان إيطاليا فقط، فشل في خوض أي امتحان».

القتال ليس في ثقافتهم، والخشونة لا تتماشى في أي حال مع الأناقة والفنون وأجمل اللوحات والمنحوتات، والطقس الجميل والخلجان الرائعة، وتغريد العنادل وهندسة البيوت الجميلة والحدائق المذهلة، وجميلات روما وجمالاتها، حجراً وبشراً، ونداء الخمول والكسل والاسترخاء، وبلابل الغروب في مدن الجنوب، ودور الأزياء في مدن الشمال، والصيف في جبال التيرال مع النمسا.

كيف يمكن لهذا الإيطالي المغني أن يترك كل هذا من أجل أن يذهب إلى القتال مع غيره من الإيطاليين أو ضدهم، وهم لا يشبعون من الحروب الكبرى والصغرى، ولا يكفّون عن الهزيمة والثأر. ولكن كيف بنى هذا الشعب المغني ذات مرحلة إمبراطورية روما، وهجم هانيبعل في جبال الألب وصدّ الفرس واليونانيين وحتى العرب؟ ألم نقل لكم إنه كان يعرف الاستفادة من انتصارات سواه؟ إن استعادة تاريخ روما معقدة، بل محرجة أحياناً، وعلى سبيل المثال كان 12 قيصراً من قياصرتها يعيشُون حياةً غير طبيعيّة. وقد أحرق نيرون روما الحبيبة وهو يعزف لها الموسيقى. وكان من هوايات القياصرة أن يرموا مواطنيهم إلى الأسود في حلبات المصارعة. وهي رياضة مسلية انتقلت فيما بعد إلى شعوبٍ كثيرة.

جاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إيطاليا لزيارةٍ رسميّة أيام حكومة سيلفيو برلسكوني. وعندما عاد إلى بلاده الباردة وموسكو الدائمة الغيوم، أرادَ أن يبعث بهديةٍ رمزية إلى مضيفه ولم يتردد كثيراً في الاختيار. كانت الهدية سريراً كبيراً من صنع روسي. واعتبر برلسكوني أن الأمر مديح لرجولته، وليس تلميحاً إلى كره الإيطاليين للحياة العسكريّة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شعب للطرب شعب للطرب



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 06:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان
  مصر اليوم - تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon