توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفيلق الروسي ورقعة الشطرنج الأفريقية

  مصر اليوم -

الفيلق الروسي ورقعة الشطرنج الأفريقية

بقلم - إميل أمين

هل استلهم القيصر بوتين فكرة «الفيلق الأفريقي»، الذي أمر الفوهور هتلر في يناير (كانون الثاني) 1941، بإنشائه، وسلّم قيادته لثعلب الصحراء الفيلد مارشال روميل؟

ضمن دوائر الصراع الجيوسياسي حول العالم، يجري حديث الفيلق العسكري الذي تعمل روسيا على قدم وساق ليجد طريقه إلى قلب أفريقيا، ما يعكس نوايا موسكو في التمدد داخل عمق القارة السمراء، وفي مشاغبة لا تغفلها العين للمصالح الأميركية والأوروبية.

بدت زيارات نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكيروف إلى ليبيا، وعدد من دول القارة الأفريقية، خلال النصف الثاني من العام الماضي، لافتة للنظر، وسرت في الأفق شائعات عدة عن اتفاقيات يجري الإعداد لها، تنطلق من ليبيا، الحليف القديم للاتحاد السوفياتي، ومن بعده الوريث روسيا، إلى عدد من الدول الأفريقية.

لم يطل وقت التكهنات، فقد قطعت صحيفة «فيدوموستي» الموسكوفية قول كل خطيب، وتبّدى الأمر في بلورة روسيا لقوة عسكرية يصل عديدها نحو خمسين ألف جندي، وتحت إشراف مباشر من نائب وزير الدفاع، مكونة من عسكريين نظاميين، ومسلحين من جماعة «فاغنر» السابقة، ومجموعات أمنية خاصة تابعة لشركات روسية تعمل في أفريقيا، اتُّفق على تسميتها «الفيلق الروسي».

علامة الاستفهام الأولى التي تتقاطع مع القارئ: ما الهدف الذي يسعى إليه الدب الروسي؟

يكاد التبرير الطهراني عند الروس، يماثل نظيريه الأميركي والأوروبي، وإن اختلفت الأدوات. الصينيون فقط لا يعرفون طريق الذرائع، وإنما يعمدون إلى البراغماتية المباشرة، حتى وإن جاءت فجة، الموارد مقابل الأموال.

يحدثنا الروس عن نواياهم في أن يتمكّن هذا الفيلق من مواجهة النفوذ الغربي، وتعزيز موقف موسكو في أفريقيا، وإجراء عمليات واسعة النطاق في القارة لدعم البلدان التي تسعى إلى تحرير نفسها أخيراً من الاعتماد الاستعماري الجديد وتطهير الوجود الغربي.

لا تنفي هذه الكلمات ذات المدلول الأخلاقي والإنساني، أن أفريقيا ومن جديد أمام تحوير أو تطوير لجماعة «فاغنر» العسكرية السابقة في الشكل، أو في طبيعة العمليات المنوطة بها، من الانطلاق إلى بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، وجمهورية أفريقيا الوسطى، ومع مزيد من النجاحات يبقى من الوارد التمدد إلى ما هو أبعد من مجرد خمس دول أفريقية.

أحد أهم التساؤلات المثيرة التي تقابل الباحث في شأن هذا الفيلق، موصول بفكرة الدور الذي تلعبه تلك القوات على صعيد السلم والأمن، أو الفوضى والصراعات في أفريقيا، وهل سيكون هناك هدف بعيد يتمثل في تنصيب حكام جدد يراعون مصالح روسيا، ويعملون بمثابة قوة طاردة للنفوذ الغربي، وإنهاء حقبة الإمبريالية الأوروبية بنوع خاص، أي بعبارة أخرى، الهدف اليوم لوجيستي عملياتي، وفي الغد سياسي مؤدلج يسعى لما هو أبعد من مكاسب المعارك الوقتية؟

تبدو شبكة العلاقات الروسية - الأفريقية ذات صفحة بيضاء في أعين كثير جداً من الأفارقة، وهناك في الخلفية التاريخية ذكريات عن دعمَين مادي وعسكري، وجامعات روسية فتحت أبوابها واسعة منذ خمسينات وستينات القرن الماضي أمام طلاب المعرفة، ولم تكن روسيا يوماً ما قوة غازية قاهرة مستعمرة في أفريقيا، ما يعني أن موسكو لديها بالفعل أوتار جيدة للعزف عليها، وفي المقابل فقد سئم الأفارقة من النفوذ الأوروبي عامة، والفرنسي خاصة، ما تجلى في خسارة باريس مربعات نفوذها الأفريقية يوماً تلو الآخر في الأعوام الأخيرة، ولهذا يمكن أن يكون «الفيلق الأفريقي»، مرتكَزاً جديداً للأفارقة الباحثين عن حلفاء جدد، يمكن من خلالهم تحقيق مكاسب مادية، مع حماية عسكرية.

غير أنه من الوارد أن تكون فكرة السطوة قائمة وقادمة في عقول العسكرية الروسية، لا سيما لجهة إحكام السيطرة على مصادر الثروات والأنظمة، ما يجعل من الأمر خطراً داهماً على المصالح الغربية، ويهدد ما تبقى من نفوذ واشنطن وبروكسل وغيرهما في الأرض السمراء التي أحببتها على حد وصف الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، الراحل د. بطرس غالي.

هل هي لعبة الكراسي الموسيقية، أم صراع الأضداد على خريطة الشطرنج الإدراكية الأفريقية؟

الحقيقة المؤكدة هي أن موسكو تعمد إلى توسيع نقاط الصراعات الملتهبة حول العالم، ولكن عن طريق فكرة المواجهات غير المتكافئة، ذلك أنه ما بات يتوجب عليها تحريك جيوشها وأساطيلها لمجابهة «الناتو»، لكن يمكنها تأليب الشعوب وإنشاء تحالفات سياسية وعسكرية، وعن طريق شراكتها مع الصين، ولو كانت مؤقته، تستطيع أن تشكل خنجراً في خاصرة الفوقية الرأسمالية الغربية.

مشهد وحديث الفيلق الروسي يقطعان باتساع مدارات الصراعات ما بين الأقطاب الدولية، الأمر الذي يعيد إرهاصات ما قبل الحرب العالمية الثانية، ويعزز من تساؤلات المتسائلين عن احتمالات المواجهة الكونية الثالثة التي قد لا تبقي ولا تذر.

روسيا وعبر فيلقها هذا، تسعى لفتح جيوب سياسية وعسكرية واسعة أمام واشنطن، تمتد من أوكرانيا المتعثرة، إلى إيران السادرة في غيها، عطفاً على وكلائها الذين يجبرون الإمبراطورية المنفردة بمقدرات العالم على الانسحاب عمّا قريب من سوريا والعراق، في انتكاسة بعد عقدين من التدخل العسكري، ودون حصاد يحصد، ومن غير أن نغفل ما تتعرّض له الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

غالب الظن أن القيصر بوتين قرأ مصطلح «فرط الامتداد الإمبراطوري»، للمؤرخ الأميركي الأشهر بول كيندي، وعرف كيف يناور ويداور من خلاله أميركا، التي بات عليها دفع تكلفة هذا الامتداد.

تكتب مجلة «جون أفريك» الفرنسية قبل أيام عن زيارة وزير الخارجية الأميركي بلينكن، أربع دول أفريقية، تقول: «بلينكن المحطم في الشرق الأوسط، يريد استعادة طرق أفريقيا في جنوب الصحراء الكبرى، خوفاً من هواجس روسيا والصين هناك».

خسر روميل قائد الفيلق الألماني أمام مونتغومري قائد قوات الحلفاء، في معركة العلمين، التي كانت نقطة تحول في الحرب العالمية الثانية... هل يلقى الفيلق الروسي المصير نفسه، أم يحقق انتصارات تُغيّر من شكل النظام الدولي، اليوم من أفريقيا، وغداً من أميركا الجنوبية؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفيلق الروسي ورقعة الشطرنج الأفريقية الفيلق الروسي ورقعة الشطرنج الأفريقية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته

GMT 03:15 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

هدف الدوسري فى النصر يثير إعجاب كريم بنزيما

GMT 12:33 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

جيرو يؤكّد على جاهزية تشيلسي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon