توقيت القاهرة المحلي 06:13:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن العالم ومعركة الأمن الغذائي

  مصر اليوم -

عن العالم ومعركة الأمن الغذائي

بقلم - إميل أمين

وكأن عالمنا المعاصر تنقصه المعارك، فتطفو على سطح الأحداث واحدة جديدة تزيد ألم المهانين والمجروحين في إنسانيتهم ولقمة عيشهم، من شمال المسكونة إلى جنوبها، ومن مشارق الشمس إلى مغاربها.
كارثة جديدة تدور رحاها حول الأمن الغذائي العالمي، وقد خيّل للعالم أنه بدأ في التقاط أنفاسه بعد معركته مع جائحة «كوفيد 19» عبر أكثر من عامين، فإذا بالحرب الروسية - الأوكرانية، وحالة التضخم التي ضربت اقتصادات العالم تنشئ هواجس أكبر وأخطر.
عرف العالم طريقه لمصطلح الأمن الغذائي عام 1974، وذلك خلال المؤتمر العالمي للغذاء الذي عقد في ذلك الوقت، والتعبير يعني توافر وتعزيز إمدادات الغذاء الكافي في كل الأوقات، ولكل شعوب الأرض!
هل الأمن الغذائي مصطلح حديث وليد اللحظة؟
بالقطع هو ضارب جذوره في القدم، فقد عرفت الحضارات الإنسانية القديمة كالفرعونية والبابلية والصينية فكرة صوامع تخزين الحبوب، ولا سيما القمح والذرة، لمواجهة أخطار الشح وأزمنة المجاعة.
نهار الأربعاء الماضي كانت الأمم المتحدة تصدر تقريراً مخيفاً عن حالة انعدام الأمن الغذائي التي طالت 40 مليون شخص إضافي في عام 2021، ليصل عدد المهددين في حياتهم الغذائية إلى نحو 200 مليون، من جراء النزاعات والأزمات المناخية والاقتصادية.
وبمزيد من التفصيل، والعهدة على الهيئة الأممية، فقد واجه نحو 193 مليون شخص في 53 دولة حالة من قصور شديد في إمدادات الغذاء، وباتوا في حاجة إلى مساعدة عاجلة للبقاء على قيد الحياة، وربما مع المساعدات سوف يواجهون سوء التغذية، وسيظلون غير قادرين على تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم.
هل يشمل التقرير الأخير الأوضاع الناجمة عن الحرب الروسية - الأوكرانية؟
بالقطع لا، وعلى المرء التفكر في أحوال العالم غذائياً بعد نحو 3 أشهر من انطلاق تلك المواجهات العسكرية وتبعاتها بنوع خاص على سلاسل الواردات الغذائية، ولا سيما الحبوب والأسمدة.
الوضع العالمي جد خطير، ومع غياب طيف أي حل سلمي للصراع بين موسكو وكييف، وبخاصة في ضوء دفع «الناتو» موسكو نحو حافية الهاوية النووية، تضحى الأزمة الغذائية متجاوزة لأي شيء رأيناه منذ الحرب العالمية الثانية. والتعبير هنا لديفيد بيزلي، رئيس برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.
يدرك القاصي والداني أن روسيا وأوكرانيا منتجان رئيسيان للقمح والشعير والذرة، بل إن برنامج الغذاء العالمي نفسه يحصل على 50 في المائة من إمدادات الحبوب منهما، ويواجه الآن زيادات كبيرة في تكلفة جهوده لمكافحة حالات الطوارئ الغذائية في جميع أنحاء العالم.
بيانات البرنامج تدعو إلى خوف حقيقي، ولا سيما أن المشهد الإجمالي العالمي، بحسب البيانات التحليلية، يشير إلى أن أكثر من 800 مليون شخص في قارات الأرض الست يعانون شبح الجوع، وليس نقص الإمدادات أو سوء التغذية، فيما 44 مليون نسمة وقت قراءة هذه السطور مرشحون للسقوط في جبّ المجاعة السحيق.
يتذكر القارئ كيف أن العالم في الأشهر الأولى من تفشي فيروس «كورونا» الشائه، عرف نوعاً من الحظر الذاتي، إذ أغلقت كل دولة على نفسها حدودها ومواردها، وسادت نظرية «أنا ومن بعدي الطوفان»... هل عاد شبح البراغماتية غير المستنيرة من جديد ليتهدد العالم؟
أغلب الظن أن ذلك كذلك، فقد خفضت أوكرانيا، على سبيل المثال، صادراتها من الحبوب، ولا سيما القمح والشوفان والسكر وغيرها من المواد الغذائية الأساسية، لضمان قدرتها على توفير الطعام للمواطنين، خلال الحرب مع روسيا، وما من أحد يلوم الأوكرانيين إن هم وجّهوا مقدراتهم الغذائية لاستنقاذ مواطنيهم أول الأمر وآخره.
روسيا بدورها أوقفت صادرات الحبوب إلى دول الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي بدأت انسحاباته السلبية تظهر على سطح الحياة في غالبية دول القارة العجوز، وليس أدل على ذلك من توجيهات وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، بمراجعة تدابير الحماية الضرورية تحسباً لأي حالة طارئة لجهة مخزون المواد الغذائية، ويرجح أن تعاني أوروبا من شبح نقص كبير وخطير مع دخول فصل الشتاء المقبل.
الولايات المتحدة تسببت بدورها في حالة كبرى من الارتباك، سواء على صعيد المواد الغذائية أو الطاقية، من خلال قرارها حظر واردات الطاقة الروسية، بما يشمل النفط والغاز، لتعزز من حملة ضغوط على موسكو رداً على اجتياح أوكرانيا. الأمر الذي انعكس على الطبقة الوسطى والفقراء في الداخل الأميركي، أولئك الذين تتزايد أعدادهم يوماً تلو آخر، وكادوا يقتربون من الانفجار الذي تحدث عنه المؤرخ الأميركي الشهير هوارد زن، في موسوعته الكبيرة «التاريخ الشعبي للولايات المتحدة الأميركية»، وهي قصة لنا معها عودة.
مثير إلى حد الحزن حال الإنسانية التي يتقاذف فيها الأقوياء الاتهامات بالحظر، فيما «أقنان الأرض» يعانون من الجوع والفاقة.
في اتصاله الهاتفي الأخير مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يلقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذنوب تهديدات الأمن الغذائي العالمي على عاتق العقوبات الغربية المتعنتة، وقد يكون هذا صحيحاً بالفعل.
فيما الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، وفي مقابلة له مع قناة «العربية»، يقطع بأن روسيا هي من يهدد أوضاع الغذاء العالمي، وهي وجهة نظر في كل الأحوال لها مؤيدوها.
وعلى هامش حديث الحرب الروسية - الأوكرانية، وإرهاصات استخدام الأسلحة النووية، كما يهدد الروس ويتوعد «الناتو» بالرد، خرجت دراسات أخيرة تفيد بأن استخدام 1 في المائة فقط من الأسلحة النووية حول العالم، كفيل بأن يتسبب في مجاعة بشرية مهلكة... ماذا حال بلغ الشطط بالبشر للمضي قدماً وراء ما هو أبعد؟
عالمنا مختل غذائياً، والمؤكد عقلياً، إلى حين إشعار آخر أو القارعة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن العالم ومعركة الأمن الغذائي عن العالم ومعركة الأمن الغذائي



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 05:30 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات
  مصر اليوم - لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات

GMT 17:24 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم
  مصر اليوم - دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم

GMT 04:39 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
  مصر اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد تزوير الانتخابات يدعمه إيلون ماسك

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة

GMT 13:06 2021 الثلاثاء ,08 حزيران / يونيو

أنشيلوتي يحسم موققه من ضم محمد صلاح إلى ريال مدريد

GMT 09:11 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحمل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon