توقيت القاهرة المحلي 11:39:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السويد... حرية رأي أم فائض كراهية؟

  مصر اليوم -

السويد حرية رأي أم فائض كراهية

بقلم:إميل أمين

مرة جديدة يجد العالم برمته، وليس العربي أو الإسلامي فحسب، نفسه أمام حجر عثرة، ومنعطف كراهية، ونقطة فصل لا وصل، بعد قيام المتطرف راسموسن بالودان، السويدي الدنماركي، بحرق نسخة من المصحف أمام الملأ في العاصمة السويدية أستوكهولم.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها هذا اليميني العنصري، المتشح بسواد الكراهية، بمثل هذا الفعل، وغالباً لن تكون الأخيرة، طالما أن هناك لعباً على المتناقضات، بين حرية الرأي، وفائض الكراهية.
يستلفت الأنظار في حادثة الأيام القليلة الماضية أن بالودان لم يكن بمفرده في المشهد، بل بدا أن هناك من يلف لفّه، يدعمه ويزخمه، ما يفيد أن نيران العنصرية تنتشر في العقول والأفئدة، ومنها إلى الإطار العام.
بحسب التلفزيون الحكومي للسويد، فإن الصحافي السويدي تشانغ فريك هو من عرض على بالودان حرق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في أستوكهولم، وضمن له تغطية جميع النفقات، وتعهد بممارسة حقه في تغطية الحدث بوصفه صحافياً.
لم يعد الأمر إذن تصرفاً فردياً، بل بات أقرب ما يكون إلى التنظيم المؤسسي، وهو أمر متوقع وبشدة، خاصة في ظل التصاعد المخيف لجماعات الكراهية والعنف الأوروبيين، والميول الواضحة والفاضحة لتيارات اليمين الأوروبي.
تبدو السويد مرة أخرى أمام اختبار حقيقي للتمييز والفصل، بين حرية التعبير والرأي التي تكفلها شرعة حقوق الإنسان من جهة، وبين امتهان المقدسات ومشاعر نحو ملياري مسلم حول العالم من جهة ثانية.
الموقف الرسمي السويدي غائم وغير واضح المعالم، وإلا فما معنى وصف العمل الفاشي هذا من جانب وزير الخارجية السويدي بأنه مروع ويستفز مشاعر المسلمين، وفي ذات الوقت تسمح وزارة الداخلية في الدولة الإسكندنافية لبالودان وصديقه بالحصول على تصريح التظاهر، والقيام بالفعل المشين أمام أعين الناظرين، وعدسات الكاميرات التي تنقل الحدث المخزي حول العالم.
إشكالية ما جرى في السويد أنه يفتح الطريق من جديد أمام المدّ اليميني الذي يجد في أحوال أوروبا القلقة والمضطربة تربة خصبة، ومن أسف شديد لمزيد من الانتشار كالمرض الخبيث في جسد القارة العجوز.
هل أصابت آفة النسيان الأوروبيين، بعد نحو 8 عقود من نهاية الحرب العالمية الثانية، التي خبروا فيها بمرارة شديدة أكلاف التيارات الشوفينية والقومية، وصولاً للتوجهات العنصرية، متمثلة في النازية والفاشية؟
ربما لم تعاصر الأجيال المعاصرة زمن الأحقاد التي دفعت الأوروبيين للاقتتال الداخلي، انطلاقاً من رؤى أحادية كبّدت ملايين القتلى. وعليه بات التساؤل؛ أين الرجال والمرجعيات في الداخل السويدي خاصة، والأوروبي عامة، الرجال الذين ينبهون لخطر موجات الغضب الكامن في الصدور، والمرجعيات المتمثلة في المؤسسات الفكرية والتاريخية، التي يتوجب عليها أن تنذر وتحذر من ضريبة الدم التي يمكن أن تدفعها أوروبا من جديد، عبر إحياء عصور الحروب الدينية، كما يريد بالودان ومن معه من كارهي العصر؟
أوروبا تنجرف من دون شك نحو شعبوية خطيرة، خاصة عندما تتحول قدرة شخص ما، أو أشخاص بأعينهم، على جذب اهتمام الناس، بهدف استغلال ثقافتهم سياسياً، تحت أي شعار آيديولوجي، في خدمة مشروع شخصي موصول بأفكار سلطوية مغشوشة، والسعي إلى كسب وزيادة شعبية من خلال تأجيج الميول المنحطة والأنانية لبعض قطاعات السكان، وهذا يتفاقم عندما يصبح، بأشكال فاضحة أو خفية، إخضاعاً للمؤسسات وللشرعية.
يكاد المرء يتساءل في حيرة وقلق بالغين؛ هل سيتنكر الأوروبيون لإرثهم التنويري الكبير، الذي غيّر أوضاع القارة الأوروبية، ومن خلفها كثير من دول العالم، عبر فلاسفة ومفكرين، كتاب ومعلمين، قادة رأي حقيقيين غير منحولين، ويمضوا وراء جماعات لا تعرف سوى المعايير الحدية في التعاملات مع الآخر؟
ربما من حسن الطالع أنه لا يزال هناك أفق تنويري لدى كبريات المؤسسات الدينية الأوروبية، فعلى سبيل المثال، تحدث البابا فرنسيس، بابا روما، عن خطورة ما سماه «فائض خطاب الكراهية»، ذلك الكفيل بتحويل ليل العالم إلى أرق، وجعل نهاره مشحوناً بالقلق، وحاول جاهداً معالجة قضية التطرف القومي، من خلال رسالته الشهيرة «كلنا إخوة»، التي يطالب فيها بوقفة عالمية تجاه المجموعات الشعبوية المغلقة التي تشوه كلمة «شعب»، لأن ما يتكلمون عنه ليس شعباً بكل معنى الكلمة.
الشعب الذي تحتاجه أوروبا هو ذلك الحي الديناميكي، الذي له مستقبل، المنفتح باستمرار على تركيبات جديدة تشمل الآخر المختلف، ولا يكون ذلك منكراً ذاته، إنما باستعداده أن يتحرك ويسأل ويتوسع ويغتني من قبل الآخرين، وبهذه الطريقة يستطيع أن يتطور.
هل بات علينا أن نصدق أن هناك بالفعل قوى رجعية، تحاول الدفع عكس اتجاه التسامح والتصالح، وتيارات قبول الآخر، والرغبة في بناء حوار خلاق بين الأمم والشعوب، بهدف صالح ومصالح جميع الخليقة، خاصة في مثل هذا التوقيت المؤلم، الذي تتعرض فيه شعوب الأرض لأهوال الحرب، ومخاطر الدرب، من إيكولوجيا قاتلة، واقتصاد متردٍ، وحرب عالمية تبدو خلف الأبواب حاضرة، تشتهي أن تتسيد على الجميع؟
هذا التوجه هو ما أقره الناطق باسم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، فلاديمير ليغويدا، الذي اعتبر حرق القرآن من قبل بالودان «عملاً تخريبياً»، مضيفاً أنه «لا يمكنك الاستهتار بما هو مقدس لشخص آخر... لا يمكنك تجاوز حدود الإنسان والإيمان في صراع سياسي».
الكراهية لا تفيد... الجسور لا الجدران هي الحل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السويد حرية رأي أم فائض كراهية السويد حرية رأي أم فائض كراهية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 11:39 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

أحمد الفيشاوي يتعرّض لهجوم جديد بسبب تصريحاته عن الوشوم
  مصر اليوم - أحمد الفيشاوي يتعرّض لهجوم جديد بسبب تصريحاته عن الوشوم

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon