توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السويد... حرية رأي أم فائض كراهية؟

  مصر اليوم -

السويد حرية رأي أم فائض كراهية

بقلم:إميل أمين

مرة جديدة يجد العالم برمته، وليس العربي أو الإسلامي فحسب، نفسه أمام حجر عثرة، ومنعطف كراهية، ونقطة فصل لا وصل، بعد قيام المتطرف راسموسن بالودان، السويدي الدنماركي، بحرق نسخة من المصحف أمام الملأ في العاصمة السويدية أستوكهولم.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها هذا اليميني العنصري، المتشح بسواد الكراهية، بمثل هذا الفعل، وغالباً لن تكون الأخيرة، طالما أن هناك لعباً على المتناقضات، بين حرية الرأي، وفائض الكراهية.
يستلفت الأنظار في حادثة الأيام القليلة الماضية أن بالودان لم يكن بمفرده في المشهد، بل بدا أن هناك من يلف لفّه، يدعمه ويزخمه، ما يفيد أن نيران العنصرية تنتشر في العقول والأفئدة، ومنها إلى الإطار العام.
بحسب التلفزيون الحكومي للسويد، فإن الصحافي السويدي تشانغ فريك هو من عرض على بالودان حرق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في أستوكهولم، وضمن له تغطية جميع النفقات، وتعهد بممارسة حقه في تغطية الحدث بوصفه صحافياً.
لم يعد الأمر إذن تصرفاً فردياً، بل بات أقرب ما يكون إلى التنظيم المؤسسي، وهو أمر متوقع وبشدة، خاصة في ظل التصاعد المخيف لجماعات الكراهية والعنف الأوروبيين، والميول الواضحة والفاضحة لتيارات اليمين الأوروبي.
تبدو السويد مرة أخرى أمام اختبار حقيقي للتمييز والفصل، بين حرية التعبير والرأي التي تكفلها شرعة حقوق الإنسان من جهة، وبين امتهان المقدسات ومشاعر نحو ملياري مسلم حول العالم من جهة ثانية.
الموقف الرسمي السويدي غائم وغير واضح المعالم، وإلا فما معنى وصف العمل الفاشي هذا من جانب وزير الخارجية السويدي بأنه مروع ويستفز مشاعر المسلمين، وفي ذات الوقت تسمح وزارة الداخلية في الدولة الإسكندنافية لبالودان وصديقه بالحصول على تصريح التظاهر، والقيام بالفعل المشين أمام أعين الناظرين، وعدسات الكاميرات التي تنقل الحدث المخزي حول العالم.
إشكالية ما جرى في السويد أنه يفتح الطريق من جديد أمام المدّ اليميني الذي يجد في أحوال أوروبا القلقة والمضطربة تربة خصبة، ومن أسف شديد لمزيد من الانتشار كالمرض الخبيث في جسد القارة العجوز.
هل أصابت آفة النسيان الأوروبيين، بعد نحو 8 عقود من نهاية الحرب العالمية الثانية، التي خبروا فيها بمرارة شديدة أكلاف التيارات الشوفينية والقومية، وصولاً للتوجهات العنصرية، متمثلة في النازية والفاشية؟
ربما لم تعاصر الأجيال المعاصرة زمن الأحقاد التي دفعت الأوروبيين للاقتتال الداخلي، انطلاقاً من رؤى أحادية كبّدت ملايين القتلى. وعليه بات التساؤل؛ أين الرجال والمرجعيات في الداخل السويدي خاصة، والأوروبي عامة، الرجال الذين ينبهون لخطر موجات الغضب الكامن في الصدور، والمرجعيات المتمثلة في المؤسسات الفكرية والتاريخية، التي يتوجب عليها أن تنذر وتحذر من ضريبة الدم التي يمكن أن تدفعها أوروبا من جديد، عبر إحياء عصور الحروب الدينية، كما يريد بالودان ومن معه من كارهي العصر؟
أوروبا تنجرف من دون شك نحو شعبوية خطيرة، خاصة عندما تتحول قدرة شخص ما، أو أشخاص بأعينهم، على جذب اهتمام الناس، بهدف استغلال ثقافتهم سياسياً، تحت أي شعار آيديولوجي، في خدمة مشروع شخصي موصول بأفكار سلطوية مغشوشة، والسعي إلى كسب وزيادة شعبية من خلال تأجيج الميول المنحطة والأنانية لبعض قطاعات السكان، وهذا يتفاقم عندما يصبح، بأشكال فاضحة أو خفية، إخضاعاً للمؤسسات وللشرعية.
يكاد المرء يتساءل في حيرة وقلق بالغين؛ هل سيتنكر الأوروبيون لإرثهم التنويري الكبير، الذي غيّر أوضاع القارة الأوروبية، ومن خلفها كثير من دول العالم، عبر فلاسفة ومفكرين، كتاب ومعلمين، قادة رأي حقيقيين غير منحولين، ويمضوا وراء جماعات لا تعرف سوى المعايير الحدية في التعاملات مع الآخر؟
ربما من حسن الطالع أنه لا يزال هناك أفق تنويري لدى كبريات المؤسسات الدينية الأوروبية، فعلى سبيل المثال، تحدث البابا فرنسيس، بابا روما، عن خطورة ما سماه «فائض خطاب الكراهية»، ذلك الكفيل بتحويل ليل العالم إلى أرق، وجعل نهاره مشحوناً بالقلق، وحاول جاهداً معالجة قضية التطرف القومي، من خلال رسالته الشهيرة «كلنا إخوة»، التي يطالب فيها بوقفة عالمية تجاه المجموعات الشعبوية المغلقة التي تشوه كلمة «شعب»، لأن ما يتكلمون عنه ليس شعباً بكل معنى الكلمة.
الشعب الذي تحتاجه أوروبا هو ذلك الحي الديناميكي، الذي له مستقبل، المنفتح باستمرار على تركيبات جديدة تشمل الآخر المختلف، ولا يكون ذلك منكراً ذاته، إنما باستعداده أن يتحرك ويسأل ويتوسع ويغتني من قبل الآخرين، وبهذه الطريقة يستطيع أن يتطور.
هل بات علينا أن نصدق أن هناك بالفعل قوى رجعية، تحاول الدفع عكس اتجاه التسامح والتصالح، وتيارات قبول الآخر، والرغبة في بناء حوار خلاق بين الأمم والشعوب، بهدف صالح ومصالح جميع الخليقة، خاصة في مثل هذا التوقيت المؤلم، الذي تتعرض فيه شعوب الأرض لأهوال الحرب، ومخاطر الدرب، من إيكولوجيا قاتلة، واقتصاد متردٍ، وحرب عالمية تبدو خلف الأبواب حاضرة، تشتهي أن تتسيد على الجميع؟
هذا التوجه هو ما أقره الناطق باسم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، فلاديمير ليغويدا، الذي اعتبر حرق القرآن من قبل بالودان «عملاً تخريبياً»، مضيفاً أنه «لا يمكنك الاستهتار بما هو مقدس لشخص آخر... لا يمكنك تجاوز حدود الإنسان والإيمان في صراع سياسي».
الكراهية لا تفيد... الجسور لا الجدران هي الحل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السويد حرية رأي أم فائض كراهية السويد حرية رأي أم فائض كراهية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon