توقيت القاهرة المحلي 11:13:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصين والعرب... زمن رياح الشرق الحكيمة

  مصر اليوم -

الصين والعرب زمن رياح الشرق الحكيمة

بقلم:إميل أمين

شيء ما في النفس الصينية يكاد يشابه الشخصية العربية، ربما المخزون والمكنون الحضاري، الذي يعود إلى آلاف عدة من السنين، هو مرد ذلك.
في مؤلفه العمدة «شخصية الصين – خصائص حضارة خمسة آلاف عام»، لمؤلفه البروفسور الصيني الشهير ياو دان، وعبر قراءة معمّقة، نجد هناك تشابهاً يكاد يكون تطابقاً بين الشخصية العربية والشخصية الصينية، وهو أمر يدركه تمام الإدراك علماء الأنثروبولوجيا، سيما على صعيد النسق الأخلاقي والقيمي.
يمكن القطع بأن هناك صداقة تتجاوز حدود الزمان والمكان، بين العرب والصينيين، على الرغم من آلاف الأميال التي تفصلهما، غير أن الجانبين تعارفا منذ قرون غابرة، وربطهما القدر دوماً بوشائج قوية من العلاقات.
تأتي زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ، للمملكة العربية السعودية، وعقد ثلاث قمم تاريخية، قبل نهاية عام ميلادي، فيه يبدو مشهد العالم قلقاً حائراً ومضطرباً، وسط معالم جيوسياسية ضبابية، ومهددات تبدأ من عند الأوضاع الاقتصادية المقلقة في العام المقبل، وتمر بحرب مفتوحة تكاد تهدد سلام العالم بمواجهة كونية، عطفاً على إرهاصات عودة فيروسات وأوبئة بشكل أو بآخر، وفي حين القديم يتوارى والجديد غير قادر على الانبثاق من وسط العالم، تبدو المخاطر مخيفة حقاً.
أنفع وأرفع ما فعلته الدبلوماسية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وفي ضوء «الرؤية التنويرية 2030» التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هو أنها فتحت باباً في جدار الزمان والمكان على الصين، قادراً على التفاعل مع نوازل العصر، وتغيرات وتقلبات الأزمنة المعاصرة.
ولعل حبراً كثيراً سوف يسيل في تحديد المشهد السياسي العربي – الصيني، وهو ما شاركنا فيه من قبل، ولا نزال، غير أنه من المهم بمكان التوقف عند بعض اللمسات الشخصانية والنفسانية، للتشابه العربي الصيني على صعيد المبادئ والمفاهيم؛ لما في ذلك من أهمية في تحديد مسارات التعاون الخلاق بين الجانبين في قادم الأيام.
بالعودة إلى الرؤى الكونفوشيوسية المؤسسة للفكر الصيني، نجد حزمة من المبادئ والجذور الروحية التي تحث على احترام الحاكم أو ولي الأمر، والإخلاص له وبخاصة إذا كان راعياً صالحاً يقوم على شأن رعيته، وسنجد رؤية لاحترام طبقات المجتمع وتراتبيته، وتمجيد الأخلاق والحث على العمل المشترك للوصول إلى مجتمع الكفاية، وغيرها من المبادئ التي نادت بها الأديان جميعاً.
في عمق الحضارة الروحية الصينية، نكاد نجد رجع صدى لا يتأخر ولا يتلكأ للكثير من المفاهيم الإسلامية، فعلى سبيل المثال يبدو مبدأ «الكارما»، البوذي الذي يدعو للعمل الصالح، من منطلق أن الإنسان سيلاقي جزاء ما اقترفت يداه إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، متطابقاً مع الآيتين القرآنيتين الكريمتين «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ».
عطفاً على ذلك، تكاد النظرة البوذية لفكرة الألم والمعاناة في الحياة، والسعي في طريق التطور، وطلب العيش بكرامة وشرف، مع ما يرافق ذلك من مشقة ومعاناة، يشابه الرؤية القرآنية «لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ».
يضيق المسطح المتاح للكتابة عن إجراء مقاربات ذات أبعاد فلسفية وحضارية، وفي نهايتها يمكن للقارئ أن يصل إلى رؤية أكدتها بالفعل وزارة الخارجية الصينية، قبل زيارة الرئيس شي الأخيرة للمملكة، وهي أن الصين وإن بعدت بها المسافات المكانية، إلا أنها قريبة جداً من الروح والذات العربية أخلاقياً وفكرياً؛ الأمر الذي يعني أن العلاقات العربية – الصينية، مرشحة للتفاعل العملياتي، ولكن بروح إنسانوية، تتجاوز البراغماتية قصيرة النظر، والسعي المغرق في النيوليبرالية والرأسمالية المنفلتة، والتي يعاني العالم برمته من تبعاتها في حاضرات أيامنا.
تبدو المملكة قابضة على جمر الإرادة العربية بقوة، وعازمة على رسم صورة مختلفة للعالم العربي على خريطة العلاقات الدولية في السنوات المقبلة، وهو أمر يحسب لها، في تجميع كلمة العرب ورؤاهم في عالم لا يتفهم سوى فلسفة القوة، والتي تتسنمها قوة الموقف الموحد؛ ما يعني أن الرياض وبالشراكة مع العواصم العربية الشقيقة، تمضي وفقاً لأجندة تعرف كيف تساهم في نظام عالمي مستقطب جديد، تجاوز زمن القطبية الثنائية الضيقة، إلى أفق متعدد الأقطاب، وبغض النظر عن رغبات أي أطراف دولية ألفت احتكار مفاهيم القوة والسيطرة على مقدرات العالم.
قمم الرياض نقطة تحول مصيرية في علاقات العرب بالصينيين، تلك التي بدأت عام 1956، من خلال مصر التي فعلت أول علاقات دبلوماسية رسمية، ثم لم تلبث حالة الحوار الثنائية بين الجانبين العربي والصيني، أن تحولت إلى آلية تعاون متعدد الأطراف، ومن منتدى التعاون الصيني - العربي، إلى معرض الصين والدول العربية.
وقد كان عام 2018 على نحو خاص، منطلقاً جديداً؛ إذ اتفقت الصين والدول العربية على إقامة شراكة استراتيجية صينية – عربية موجهة نحو المستقبل للتعاون الشامل والتنمية المشتركة.
والشاهد، أن الصين بدورها تتابع صعود القوة العربية الشاملة، بمقدرات العرب عبر العناصر الأربعة التي لخصها مستشار الأمن القومي، زيجينو بريجنسكي (1928 - 2017)، في العوامل الجغرافية والموارد الطبيعية، والقوى العسكرية، عطفاً على القدرات البشرية؛ ولهذا تبدو راغبة في إحداث شراكة صينية – عربية مستقبلية غير مسبوقة، وبخاصة عبر تفعيل مقدرات طريق الحرير القديم، من خلال مبادرة «الحزام والطريق».
تهب رياح الشرق الصينية على العالم العربي بتكتلاته المكانية من منطقة الخليج العربي، إلى دول شمال شرقي أفريقيا، وبجناحيه الأفريقي والآسيوي؛ لتفتح مسارات للتعاون الآني المهم والحساس، لا سيما في مجالات الطاقة، قضية العصر، وأزمة كل مصر، بجانب نقل التكنولوجيا الفائقة، ونشوء وارتقاء صناعات ابتكارية تتسق وعصر ما بعد الريع النفطي التقليدي.
تبدو الصين واعدة ولديها رؤية للمنطقة عبر أكثر من مرتكز، ضمنتها مبادرتها للسلام الصيني للشرق الأوسط، وهذه تحتاج إلى قراءة قائمة بذاتها، عسى أن تكون عاملاً مساعداً لتجاوز المنطقة أزماتها.
يقول المثل الصيني «نسير فرادى أسرع ومع بعضنا لمسافة أبعد».
أهلاً بزمن رياح الشرق الحكيمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصين والعرب زمن رياح الشرق الحكيمة الصين والعرب زمن رياح الشرق الحكيمة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon