توقيت القاهرة المحلي 19:52:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الغرب وأفول نماذج المركزية الستة

  مصر اليوم -

الغرب وأفول نماذج المركزية الستة

بقلم:إميل أمين

في نهاية مقال الأسبوع الماضي، توقفنا عند الوعد بإماطة اللثام عن الملامح التي قادت إلى الاعتقاد بنهاية عصر التقدم، وأفول نماذج المركزية الغربية، وهو ما نحاول متابعته في هذه السطور.
في عدد مجلة «فورين بوليسي» الأميركية النافذة، الصادر في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، طالع القراء من الغرب والشرق على حد سواء، ما سطره واحد من مفكري الولايات المتحدة الثقات، البروفسور براد ديلونغ، أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا، والمقتبس من مؤلفه الأخير: «السير بخطى متثاقلة نحو المجتمع الطوباوي... تاريخ اقتصادي للقرن العشرين»، وخلاصة ما ذهب إليه هو أنه مع نهاية القرن العشرين الطويل، ولى عصر التقدم الذي لم يكن يراود أحلام البشر.
يمكن للمرء أن يحاجج بأن هذا الطرح غير عقلاني، لا سيما أن الاكتشافات العلمية الغربية، ومحاولات ارتياد الفضاء والغوص في أعماق البحر، لا تتوقف، بل تتفتح أمامها آفاق عريضات يوماً تلو الآخر.
غير أن البروفسور ديلونغ يرى العكس من ذلك، ويؤكد أن القرن العشرين لم يبدأ مع عام 1900، بل بدءاً من 1870، واتسم بأربعة أشياء؛ النمو المدفوع بالتكنولوجيا، والعولمة، ثم الاستثنائية الأميركية، وصولاً إلى الثقة بأن البشرية قادرة على أن تمضي، وإن بخطى متثاقلة، نحو مثالية المجتمع، حيث يمكن للحكومات أن تحل المشكلات السياسية والاقتصادية.
يرى الأستاذ الأميركي المعروف أن هناك عدة مراحل، وضعت بصمتها على ما عده نهاية مجازية لنجاحات أميركية وأوروبية طويلة، ويمكن الإشارة إليها في النقاط التالية:
* بدا وكأن عام 1990 الذي شهد نهاية الستار الحديدي، وسقوط الاتحاد السوفياتي، كان موعداً لنجاحات اقتصادية يابانية وألمانية، شكلت تحدياً للتفوق التكنولوجي الأميركي، ما أنهى استثنائيتها في هذا المضمار على نحو خاص.
* بحلول نهار الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) من عام 2001، كان صدام ثقافي وربما اتخذ مسحة عقدية ينبلج، وقد خيل للعالم أن هذا النموذج الذي يعود للأزمنة القروسطية قد ذهب بدون رجعة.
* عام 2008 وحدوث أزمة التوريق المالية الأميركية، وإفلاس بعض كبار البنوك الأميركية مثل «ليمان براذر»، بدأ زمن الكساد العظيم الذي سيورث العقد الذي يليه أعباء كبيرة.
* إخفاق العالم خلال الفترة من 1989 في مواجهة غضبة الطبيعة، وثورة الإيكولوجيا، المتمثلة في ظاهرة الاحتباس الحراري، وما يتبعها من خسائر على صعيد الحجر والبشر.
هذه النقاط الأربع، يمكن تلمسها في مظاهر حياتية في كافة قطاعات الغرب، وانعكاساتها كذلك في الشرق، من خلال تردي أوضاع النمو الاقتصادي بشكل كبير، حتى ومن قبل أن يمر العالم بلحظة تاريخية مؤلمة تمثلت في تفشي جائحة «كوفيد - 19»، وصدور القرار الروسي باجتياح أوكرانيا.
وللمرء أيضاً أن يستشعرها في تراجع الميل لظاهرة العولمة، بعد تجاوز سلبياتها إيجابياتها، بجانب تضاؤل الثقة بالمستقبل وبخاصة عند الأجيال الشابة، والتأكيد على فقدان الولايات المتحدة لمكانتها كقاطرة أممية جديرة بالثقة على المسرح العالمي.
والثابت أنه وقبل ديلونغ بوقت طويل تناول مفكران غربيان، ريتشارد كوك، وكريس سميث، مآلات الغرب، وقدما في مؤلفهما الذي حمل عنوان «انتحار الغرب»، نقداً عميقاً لأطروحة المركزية الفوقية الغربية التاريخية، التي تعامل من خلالها مع بقية أرجاء المسكونة، وبنوع خاص طوال القرون الخمسة الماضية.
جرت العقلية الغربية، بخاصة لدى كل صانع قرار سياسي بنوع متميز، أن يفكر في الآخرين، انطلاقاً من تمايز لا يخرج عن واحد من النماذج الستة التالية، التي تتهاوى على عروشها في حاضرات أيامنا، ويمكن مشاغبتها بدون تطويل ممل، فيما يلي:
* الشمولية الغربية: كانت الرؤية تدور في سياق أن الغرب يمثل الحداثة، وأن كل المناطق المهمة في العالم، سوف تتحول تحولاً طبيعياً، عاجلاً أم آجلاً، إلى الليبرالية والرأسمالية، حسب النموذج الغربي، وهو طرح أثبتت التجربة التاريخية زيفه.
* الاستعمار الليبرالي الإمبراطوري: ومفاده الاعتقاد بأن على الغرب أن يدفع بالديمقراطية وبالرأسمالية إلى الأمام في كل أنحاء العالم، وبالقوة إذا دعت الضرورة، وهو منطلق إمبريالي وليس ليبرالياً.
* الغرب القلعة: أي النموذج الذي يحتمي فيه الآخرون، وهو ما لمح إليه جوزيب بوريل مؤخراً، لكن فاته أن الغربيين بدأوا مسيرة الانعزالية، ويتخلون رويداً رويداً عن العالم بهدف حماية أنفسهم.
* الاستثنائية الأميركية: وقد سادت طويلاً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، غير أنه وخلال العقدين الماضيين ظهرت تباشير نهايتها، وأضحت بهرجاً خداعاً.
* المصير الكوزموبوليتاني: بمعنى أن بقية أرجاء العالم سوف تندمج تلقائياً في وحدة قيم وشراكة مؤسسات، الأمر الذي تنفيه حركة الانسلاخات عن التجمعات الغربية ونشوء وارتقاء نظير لها في الشرق، مثل «بريكس بلس» و«شنغهاي» وغيرهما.
* استراتيجية التعايش والجاذبية: وهذه جرت عادة على أربعة محاور؛ احترام تنوع الحضارات الأخرى، والرغبة في التعايش معها، وإعطاء حياة جديدة للمثل الغربية، وأخيراً اجتذاب البقية إلى الغرب.
فيما المؤكد أن التوجهات الأربعة، تبدو وكأنها تنظير أخلاقي، ورطانة لغوية، لا علاقة لها بالواقع المعيش، ويكفي النظر إلى القصور الغربي في معالجة أزمة المناخ، والتقتير الواضح على الدول الفقيرة والنامية التي أضيرت من جراء شهوات قلب الكبار، وسعيهم لمراكمة الثروات ومضاعفة الأرباح.
هل يعني ذلك أن انتحار الغرب قدر مقدور في زمن منظور؟
قد يكون القول على هذا النحو مغالياً فيه، فالغرب لا يزال يمتلك الرجال والمرجعيات القادرة على مشاغبة الأيقونات ونقد النظريات المتكلسة ومجابهة الانسدادات التاريخية، وهذا ما جرى في عصر التنوير.
لكن بحال من الأحوال تبدو التجربة الحضارية الغربية في مواجهة اختبار مصيري، لا سيما أنها واقعة تحت هجوم مزدوج، آيديولوجي، ولوجيستي.
هنا لا يبدو أمامها سوى التغير والتحور، أو الاختفاء دفعة واحدة، وكما جرى مع الإمبراطورية الرومانية من قبل، وما علينا سوى الانتظار والترقب.
هل آسيا، والصين في القلب منها، هي الحل أو البديل؟
إلى اللقاء مع الحلقة الثالثة والأخيرة من هذه السلسلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغرب وأفول نماذج المركزية الستة الغرب وأفول نماذج المركزية الستة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 10:53 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مدبولي يترأس اجتماع المجموعة الوزارية الاقتصادية

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 01:05 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النيابة العامة تُغلق ملف وفاة أحمد رفعت وتوضح أسباب الحادث

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الزمالك يتأهل لربع نهائي دوري مرتبط السلة علي حساب الزهور

GMT 10:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز اتجاهات الديكور التي ستكون رائجة في عام 2025

GMT 22:30 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

5 قواعد لإتيكيت الخطوبة

GMT 14:43 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

أحمد مالك وطه دسوقي يجتمعان في "ولاد الشمس" رمضان 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon