توقيت القاهرة المحلي 13:16:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أميركا والشرق الأوسط... الاستراتيجية الغائبة

  مصر اليوم -

أميركا والشرق الأوسط الاستراتيجية الغائبة

بقلم : إميل أمين

لم يعد التساؤل عن الحضور الأميركي في الشرق الأوسط يشغل تفكير سكان المنطقة من العرب فحسب، بل بات كذلك يؤرق الكثير من الأميركيين الثقات، من عند كبار الدبلوماسيين والمفكرين، وصولاً إلى رجالات الاستخبارات والأمنيين ممن اعتركوا عالم المعارك الماورائية، وعاشوا في كواليس المنطقة السرية؛ ما يعني أن تلك المنطقة لا تزال مهمة بدرجة كبرى للولايات المتحدة، ولا غنى عنها، كما أن الانسحاب منها مرة وإلى الأبد، ضرب من ضروب الرفاهية لا يمكن القبول به.
عبر مجلة «ناشيونال إنترست»، الأميركية ذائعة الصيت، انتقد الخبير الاستراتيجي الأميركي، ورجل الاستخبارات الخارجية لأكثر من ثلاثة عقود، أندريو. إس. غيلمور، غياب أي رؤية أو توجه استراتيجي لبلاده في المنطقة التي تعد مهد الحضارة الإنسانية والدينية، مشيراً إلى أن النفوذ الصيني والروسي يتزايد على نطاق واسع في العالم العربي من جراء التقاعس الأميركي، وإخفاقات نظريات رؤساء أميركيين، لا سيما القيادة من وراء الكواليس، باراك أوباما وشركاؤه.
يعنّ للمرء أن يتساءل مفتتح الكلام «هل لأميركا استراتيجية بالفعل في الشرق الأوسط في العقدين الأخيرين على وجه التدقيق، أم أن سياساتها لم تكن أكثر من ردات فعل انتقائية وربما انتقامية من غير رؤية استشرافية؟».
الثابت للذين يتابعون تطورات السياسات الأميركية في الشرق الأوسط، أن هناك رغبة عارمة في الانسحاب والانعزالية، والمقالات ترتفع في وسائل الإعلام المختلفة عن الشرق الأوسط الذي لم يعد يستحق ما يبذل فيه من جهد، أو المنطقة التي لم تعد تهم الأميركيين كثيراً، وما بين هؤلاء وأولئك تعلو الدعوات للتركيز على التهديدات الأكثر إلحاحاً من روسيا والصين... ألم يقل الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، على سبيل المثال، إنه لا يوجد في الشرق الأوسط سوى الدماء والرمال؟
أصحاب الرايات الفاقعة والأصوات الزاعقة من الداعين للعودة والتمترس وراء محيطين، غاب عن أذهانهم أن واشنطن وطوال أربعة عقود من الحرب الباردة، قد حققت أهدافها في الشرق الأوسط، بدعم ومشاركة، بل ومباركة من معظم النخب المحلية سياساً واقتصادياً، ونجحت في حشد نفوذها الدبلوماسي، واحتوت الحروب العربية - الإسرائيلية، كما لعبت الدبلوماسية الأميركية دوراً رائداً ومنفرداً في نسج خيوط السلام.
غير أنه ومن متناقضات القدر يبدو المشهد الأميركي في الشرق الأوسط مرتبكاً وملتبساً، حتى بعد أن انفردت واشنطن بمقدرات العالم، وباتت القطب الوحيد القادر على الأخذ بزمام المبادرات الجريئة والخلاقة لتغيير الأوضاع وتبديل الطباع، في حين أخذ نفوذها في التدهور لدى دول حليفة لواشنطن شرق أوسطياً من جراء الشكوك والهواجس التي تنتابها - عن حق – تجاه توجهات واشنطن المستقبلية، ومعالم سياساتها غير الواضحة آنياً.
يكفي النظر إلى الموقف الأميركي من إيران وبرنامجها النووي دليلاً على ضبابية الرؤية الأميركية تجاه الإقليم الذي وصفه أبو السياسة الأميركية هنري كيسنجر في مؤلفه الأخير «النظام العالمي... تأملات حول طلائع الأمم ومسار التاريخ»، بأنه إقليم مشدود بين الماضي والحاضر، ومن غير مقدرة ما على مشاغبة المستقبل.
ولعل التساؤل الجوهري في هذه السطور «مع دعوات الانسحاب ألم تعد واشنطن مهتمة بالفعل بالوجود في الشرق الأوسط وحماية مصالحها الحيوية؟».
حديث المصالح يعود بنا إلى ثنائية تقليدية كثر الحديث من حولها في العقود التي تلت العام 1948، وتمثلت في سهولة ويسر في أمرين؛ تأمين تدفق النفط، سائل الحضارة المعاصرة، ومن ناحية أخرى تأمين أمن وأمان دولة إسرائيل، التي كانت فتية في ذلك الوقت.
على أن حركة التاريخ، كان لها أن تخلق مصالح أميركية جديدة في المنطقة، لا سيما بعد أن شبت إسرائيل عن الطوق، وأضحت قادرة على الدفاع عن نفسها، حتى ولو أغضب الأمر العم سام.
كما أن فكرة الاعتماد المطلق على نفط الشرق الأوسط، قد شاغلتها طروحات بدائل الطاقة، والنفط الصخري.
اليوم باتت مصالح أميركا أوسع نطاقاً، فهناك الإرهاب طاعون العصر، ذاك الذي يهم أميركا محاربته صباح مساء، وهناك محاولة قطع الطريق على الدب الروسي والتنين الصيني الساعين لإحلال نفوذهما والحصول على نصيب وافر من الإرث الأميركي، ناهيك عن منع إيران من الحصول على السلاح النووي.
إضافة إلى ما تقدم، جاءت أزمة الطاقة الأخيرة، لتشير إلى الحاجة إلى عقود طوال إلى النفط في صورته التقليدية من منابع الشرق الأوسط.
بالإضافة إلى ما تقدم، يطفو على السطح أمر حيوي وجوهري، ألا وهو حماية أميركا لحرية الملاحة في الممرات البحرية، واحتواء من يحتمل أن يسعى ليفرض هيمنته عليها من أعداء الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وهم غير خافيين عن الأعين في الحل والترحال.
النرجسية الأميركية، أو البراغماتية المستنيرة تستدعي من الأميركيين طرح التساؤل التالي «هل لدينا استراتيجية تحافظ على تلك المصالح الحيوية؟»
في عدد أخير لها تناقش مجلة «الفورين أفيرز» ما طرحه الدبلوماسي الأميركي الشهير، مارتن إنديك، في مؤلفه الأحدث «سيد اللعبة... هنري كيسنجر وفن دبلوماسية الشرق الأوسط». وخلاصة الكلام، أن على إدارة الرئيس جو بايدن اللجوء إلى النموذج الكيسنجري، والعمل على صياغة نظام إقليمي تدعمه الولايات المتحدة، بحيث لا تظل هي اللاعب المهيمن، بل الأكثر نفوذاً وتأثيراً.
عوضاً عن الانسحاب؛ على أميركا ومن جديد الانخراط شرق أوسطياً عقلياً لا عسكرياً، لتفهم حضاراته وحركات سياساته، ثقافته وروحانياته، آماله وآلامه... الهروب لا يفيد واشنطن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا والشرق الأوسط الاستراتيجية الغائبة أميركا والشرق الأوسط الاستراتيجية الغائبة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon