توقيت القاهرة المحلي 06:25:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رؤية تنويرية لمدينة سعودية غير ربحية

  مصر اليوم -

رؤية تنويرية لمدينة سعودية غير ربحية

بقلم : إميل أمين

تبقى الأفكار الإبداعية مولدات الأحداث الكبرى على مسار التاريخ البشري، ولعل الفارق بين الأمم التي أصابت نجاحاً عظيماً، وبين التي تراجعت أوزانها ومقاديرها، يؤول إلى القدرة على تخليق أفكار تنويرية وتنفيذها.
في هذا الإطار يمكن للمرء، وبموضوعية وتجرد، تأمين الحديث عن رؤية 2030 للمملكة العربية السعودية، التي وضع لبناتها وتعهدها بالرعاية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؛ تلك الرؤية التي تنطلق في آفاق رحبة من عالم الإبداع لا الاتباع، وتنقل الناس من أزمنة الضيق الآيديولوجية إلى رحابة العقول الإبستمولوجية.. رؤية لا تقف أمام عقبات الانسداد التاريخي، وإنما تقفز فوقها، والهدف الواضح أمام أعين صاحبها هو الإنسان السعودي وتنميته وترقيته في الحال والاستقبال.
المتابعون لقرارات ورؤى ولي العهد الأمير محمد، يدركون أنه قابض على جمر التغيير الخير بأسنانه، لا بيديه فقط، وهو أمر يحتاج إلى شجاعة قلب ورجاحة عقل، من خلالهما يبدل ويعدل يوماً تلو الآخر من وجه المملكة، عبر آفاق معرفية تعزف على تنويعات تكنولوجية تارة، وتشاغب الجغرافيا تارة أخرى، ليحدث في أعوام قليلة نقلات حضارية وتقدمية، تتجاوز حصاد عقود خلت. قبل بضعة أيام جاء إعلان الأمير محمد الاستشرافي عن إطلاق أول مدينة غير ربحية في العالم، على الأراضي السعودية، ومن أرضه الخاصة، لتكون أول مدينة غير ربحية حول العالم، ونموذجاً ملهماً لتطوير القطاع غير الربحي عالمياً. على أن قلب هذا العمل الخلاق والكبير هو جعل تلك المدينة حاضنة للعديد من المجاميع الشبابية والتطوعية، وكذلك المؤسسات غير الربحية المحلية والعالمية.
يلفت الانتباه في الإعلان السعيد حداثة الطرح؛ ذلك أنه مبادرة سعودية محلية، وليس تقليداً لطرح غربي أو شرقي، أي أن روح المبادرة والمبادأة هي المحلقة في سماوات المملكة هذه الأيام، وفي هذا بدايات التغيير الآني الوطني أول الأمر.
ثانياً، الفكرة في جوهرها إنسانية إلى أبعد حد ومد، فكرة تليق بأرض الحرمين الشريفين، وبأجواء الروحانيات والإنسانيات، فقد تمكنت المادية من رقاب العالم، وأحكمت الرأسمالية غير المستنيرة أطواقها على رقاب أمم وشعوب العالم، وباتت العولمة طريقاً لتسليع العالم إلا فيما ندر، ولهذا فإنه حين تأتي مبادرة لا تضع الربح معياراً رئيسياً وأساسياً في رؤاها وتوجهاتها، فإن الأمر يستحق تقديراً مضافاً، وتشجيعاً مستمراً لهذا النسق من التقدم الإيجابي والتراكمي في الداخل السعودي.
الجزئية الثالثة التي لا يمكن للمرء إغفالها، هي أنه وإن كانت مبادرة المدينة غير الربحية تهتم من الواحد إلى العشرة بالداخل السعودي، إلا أنها تسعى كذلك في إطار كوزمولجي من التثاقف مع الآخر حول العالم، فتفتح الباب للمؤسسات التي تعمل في إطار الخير العام، وصالح البشر، من غير محاصصة أو تمييز، وبدون تفريق قائم على أسس عرقية أو عقدية، فالسعودية اليوم وفي ظل «رؤية 2030» توقد مصباحاً، وتضعه فوق الجبل ليراه القاصي والداني، وما من أحد يوقد ناراً تضيء ويضعها تحت المكيال.
ترمي المدينة الربحية، وحسب ولي العهد، إلى المساهمة في دعم ثقافة الابتكار، وريادة الأعمال، وتأهيل قيادات المستقبل، لا سيما أنها ستوفر فرصاً وبرامج تدريبية للشباب والفتيات.
تستحق رؤية الأمير محمد بن سلمان للفتيات في المملكة وقفة خاصة، إذ يفتح طاقات من النور أمام المرأة السعودية ذات الخلفية الحضارية والتقدمية في أرض الجزيرة العربية عبر الزمان، ويزيح ما تراكم في طريقها من تكلسات عطلت مسيرتها الإبداعية، وهي نصف المجتمع، وتفوقها محسوب للمملكة ورصيدها الحياتي في صنع حضارة الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
ورغم عدم وضع الربح المالي المباشر كهدف رئيس للمدينة، إلا أنها في واقع الحال سوف تدرك أرباحاً غير مباشرة تنعكس برداً وسلاماً على المملكة في المديين الزمنيين القريب والبعيد على حد سواء، وذلك من خلال خلق بيئة جاذبة للمستفيدين من أنشطة المدينة، من كافة أرجاء العالم.
ما يقوم به ولي العهد السعودي في حاضرات الأيام هو قمة السعي نحو ترقية الأمم ونمو الشعوب، الذي لا ينحصر في مجرد النمو الاقتصادي، بل الاهتمام بالإنسان ككل، والبشرية كوحدة أنطولوجية متكاملة، لا سيما أنه من المستحيل الآن الفصل بين ما هو إنساني، وما هو اقتصادي، وعادة ما يحدث الخطأ حين يجور الواحد على الآخر، الأمر الذي حذر منه الفلاسفة والمفكرون منذ زمان وزمانين؛ فالإنسان نفس وجسد وروح، ولكل احتياجاته التي تشبعها أدوات الآخر.
المعرفة من خلال العديد من الأكاديميات والكليات، هي راية المدينة غير الربحية، ومراكز المؤتمرات والمتحف العلمي ومركز الإبداع، أركان المدينة لثقافة اللقاء مع الآخر، والمساحات المتوافرة للبحث العلمي ودروب الذكاء الصناعي وإنترنت الأشياء، سلم العلو نحو العالم المعاصر، وجميعها تدفع في طريق استقطاب رؤوس الأموال الجريئة والمستثمرين ذوي المساهمات التي تسعى لتغيير وجه العالم ذلك.
هل هي مدينة يوتوبية؟ غالب الأمر أنها أقرب ما تكون إلى ذلك قولاً وفعلاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رؤية تنويرية لمدينة سعودية غير ربحية رؤية تنويرية لمدينة سعودية غير ربحية



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 05:30 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات
  مصر اليوم - لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات

GMT 17:24 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم
  مصر اليوم - دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم

GMT 04:39 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
  مصر اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد تزوير الانتخابات يدعمه إيلون ماسك

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة

GMT 13:06 2021 الثلاثاء ,08 حزيران / يونيو

أنشيلوتي يحسم موققه من ضم محمد صلاح إلى ريال مدريد

GMT 09:11 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحمل

GMT 22:19 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

نور عمرو دياب تتغزل فى دينا الشربيني

GMT 05:53 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

سلة الاتحاد السكندرى تفاوض لاعب الزمالك لتدعيم صفوفها

GMT 10:17 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

موعد مباراة الزمالك وبيراميدز اليوم والقنوات الناقلة

GMT 04:52 2020 الثلاثاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

3 نصائح لمرضى الحساسية للحصول على نوم جيد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon