توقيت القاهرة المحلي 13:08:00 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن زمن مؤسسات الديمقراطية الفائقة

  مصر اليوم -

عن زمن مؤسسات الديمقراطية الفائقة

بقلم : إميل أمين

في نهايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وعبر مؤلفه الشهير: «أميركا على مفترق الطرق»، كتب فرنسيس فوكوياما، المنظّر الشهير لفكرة نهاية التاريخ، قبل أن يتراجع عنها، مشيراً إلى أن المؤسسات الدولية التي ولدت بعد الحرب العالمية الثانية، قد طالتها الشيخوخة، وربما تجاوزتها معطيات الزمان، والأمم المتحدة في مقدمة تلك المؤسسات، وربما يرى البعض اليوم أن نظام بريتون وودز، الذي قام بضبط وربط شؤون وشجون العالم المعاصر مالياً بدروه بات من مخلفات ما بعد الحرب العالمية الثانية وزمن الحرب الباردة، وبالقياس نفسه منظمة التجارة العالمية.
في هذا السياق كذلك يؤخذ في عين الاعتبار أن جميعها قد أخفقت في نشوء وارتقاء عالم ديمقراطي ليبرالي فاعل وعادل، وليس ديمقراطية القوة، وليبرالية الرأسمالية المتوحشة التي سلعت البشر.
فوكوياما رأى أن الحل الواقعي لمشكلة العمل الدولي الذي يكون فعالاً وشرعياً على السواء، يكمن في إنشاء مؤسسات جديدة، وتكييف المؤسسات الموجودة لتلائم الظروف الجديدة، وأن جدول الأعمال المناسب للسياسة الخارجية الأميركية هو أن تروّج لعالم مأهول بعدد كبير من المؤسسات الدولية المتداخلة، بل وأحياناً المتنافسة، وهو ما يمكن أن يدعى متعدد الأطراف، وفي مثل هذا العالم لن تختفي الأمم المتحدة، ولكنها ستصير واحدة من منظمات متعددة تحتضن العمل الدولي المشروع والفعال.
على أنه وفي زمن الفوضى الدامية التي تتعرض لها القرية الكونية، لا يمكن لأي باحث مهموم ومحموم بحال العالم، أن يتجاوز مفكراً آخر درج على مشاغبة المستقبل وأحاجيه الساكنة في رحم الغيب باقتدار.
حين يذكر اسم جاك أتالي، فإن ذلك يعني أننا في محضر عالم مستقبليات من الوزن الثقيل، مشغول من أخمص قدميه وحتى شعر رأسه بحال العالم الذي يعيش فوضى غير مسبوقة في الآونة الأخيرة، عالم تتقاطع فيه خطوط السياسة بالاقتصاد، والعسكرية بالثقافات، ولهذا يتساءل عمن سيتمكن من تقييم الإمكانات الهائلة لكل الثقافات.
يؤكد أتالي أنه يوماً ما ستدرك الإنسانية أن من صالحها التحلق حول حكومة ديمقراطية تتولى آمال وأحلام العالم كله، متجاوزة مصالح أكثر الأمم قوة ومقدرة، حكومة تحمي من هوس صراع الحضارات، وصدام القوميات والأعراق، والبراغماتية غير المستنيرة التي تكاد تذهب بكوكب الأرض ومن عليه دفعة واحدة من جراء قصور نظر البشر، وتكالبهم على المنافع المؤقتة.
ما الذي يبشر به أتالي، وقد يكون مخرجاً مقبولاً من الجميع، لا سيما في ظل الانسداد التاريخي الآني، وغياب رؤية عولمية حقيقية تستنقذ الخليقة من وهدة السقوط الكبير المنتظر؟
يبدو أن هناك رابطاً عقلياً بينه وبين فوكوياما، وإن اتخذ مسار ما أطلق عليه «المؤسسات الديمقراطية الفائقة»، كطريق لتغيير العالم.
يستشرف أتالي واقعاً للديمقراطية الفائقة، قبل منتصف القرن الحادي والعشرين، ما يعني أن أمام العالم المعاصر عقداً أو عقداً ونصف العقد على أقصى تقدير، يعيشه في مخاض صعب، وقبل أن تتجلى تلك الديمقراطية في الواقع المؤسسي للعالم.
علامة الاستفهام المثيرة للتأمل والتي تجنب أتالي الاقتراب منها: «هل سنصل إلى تلك المرحلة عبر مقررات ومقدرات سلمية؟ أم أنه لا بد من الحرب التي توجع القلب؟».
يرى المفكر والاقتصادي والروائي الفرنسي الكبير أن البشر سيجدون أنفسهم مدفوعين في طريق التحاور حول إقامة مؤسسات كونية متناسقة، تسمح للإنسانية بعدم الانهيار تحت ضربات الإمبراطورية الفائقة، وتتفادى دمار الصراع الفائق.
لكن ما شكل أو ملامح تلك المؤسسات، وهل تتسق بدرجة أو بأخرى مع رؤى فوكوياما سابقة الذكر؟
عند أتالي أنها ستبزغ من قلب تراكم المنظمات المحلية والقومية والقارية والعالمية، وسيتساوى ويؤثر في قلبها كل إنسان بالقدر نفسه.
عالم أتالي، سوف تنشأ فيه على المستوى العالمي مؤسسات جديدة في استمرارية للموجودة الآن بالفعل، ستكون قاعدتها الأمم المتحدة، وسيعاد صياغة الميثاق الحالي للأمم المتحدة وتوسيعه ليصبح دستوراً للكوكب.
يكاد يكون طرح أتالي يوتيوبياً، ورؤية فوكوياما قريبة من الواقع، ذلك أن صياغة دستور واحد لكوكب الأرض، يعني القفز فوق الأعراق والأديان والمذاهب، وكل أشكال المحاصصات التي عرفتها الإنسانية منذ مئات وربما آلاف السنين.
غير أن إيمان أتالي بهذا الطرح يثير في نفوسنا الريبة، لا سيما أن مثل ذلك الوفاق لا يمكن أن يحدث إلا إذا ذاقت البشرية مرارة الفراق، وخاضت مرحلة ولادة جديدة مؤلمة للغاية بشكل أو بآخر وعبر تحديات بين البشر وبعضهم البعض، وربما بين الخليقة كلها من جهة والأم الأرض من جهة ثانية، وبخاصة بعدما باتت ثائرة إيكولوجياً ورافضة لافتراءات البشر عليها في القرون الأخيرة وتحديداً من عند بدايات الثورة الصناعية في أوروبا.
متى تولد الديمقراطيات الفائقة؟
الإبحار في عمق أفكار أتالي يخبرنا بأن ذلك سيحين ولا شك عقب فوضى اقتصادية ومالية، عسكرية وبيئية، ديموغرافية وأخلاقية وسياسية عارمة... هل نحن قريبون جداً؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن زمن مؤسسات الديمقراطية الفائقة عن زمن مؤسسات الديمقراطية الفائقة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon